قالت مصادر تتابع ملف المفاوضات بين الجزائر والشركة الفرنسية «رونو»، إن الطرفين توصلا إلى حسم كافة الخلافات المتعلقة بمشروع فتح مصنع للسيارات وفق المقاييس التي حدّدتها الحكومة. وكشفت أن المتعامل الفرنسي سيستفيد من العديد من الامتيازات مقابل تجسيده لهذا المشروع وعلى رأسها إعادة العمل بنظام القروض الاستهلاكية والاستفادة من حق الامتياز. علمت «الأيام» من مصادر مقربة أن اجتماع منتدى رجال الأعمال الجزائري-الفرنسي المقرّر انعقاده في الجزائر أواخر الشهر الحالي سيكون موعدا للكشف عن تفاصيل مشروع إنجاز مصنع للسيارات للمتعامل «رونو»، وأوضحت أن الجانبين على ثقة بأن المسائل الخلافية البسيطة التي بقيت في المفاوضات قد تم تجاوزها بشكل نهائي باستثناء بعض القضايا الإجرائية، وعلى حدّ وصفها فإن هذه المحادثات «وصلت مرحلة متقدمة جدّا». وتفيد المعلومات المتوفرة أن الاتفاق بين الجزائر وممثلي شركة «رونو» ينصّ على تصنيع المركبات التجارية مع المحافظة على العلامة الأصلية، وتطوير هيكل السيارات محليا، إلى جانب ضمان التأهيل والتكوين واعتماد شبكة مناولة واسعة، وغيرها من النقاط التي تسمح بإقامة مشروع واسع النطاق من التركيب التقليدي. وبموجب ذلك سيستفيد الطرف الفرنسي من مزايا السوق من خلال تسويق ما لا يقل عن 50 ألف وحدة سنويا، وبطاقة إنتاجية لا تقل عن 50 بالمائة. إضافة إلى ذلك تلتزم الشركة الفرنسية ببناء شبكة وطنية داخلية بما يسمح بخلق يد عاملة وخلق مؤسسات صغيرة ومتوسطة، مع ضمان نقل الخبرة والتجربة، وكذا التدريب الكافي لليد العاملة الجزائرية. ولن يتوقف الأمر عند هذا الحدّ لأن «رونو» ستستفيد من حق الامتياز بنسبة 51 بالمائة، مقابل 49 بالمائة للشركة الوطنية للسيارات الصناعية، بخلاف ما ينصّ عليه القانون عندما يتعلق الأمر باستثمارات الشركات الأجنبية، وبرّرت ذات المصادر هذا الإجراء ب«الطبيعة الإستراتيجية» للمشروع. كما تتحمل الحكومة الجزائرية على عاتقها مسؤولية توفير الأراضي الصناعية، وتخفيف الإجراءات الإدارية المقدمة لهذا الغرض، كما لا تمانع السلطات الجزائرية من إعادة بعث قروض الاستهلاك لتسهيل عملية تسويق المركبات الصناعية لشركة «رونو» في الجزائر. وتكون الحكومة قد رفضت بشكل قطعي بعض الشروط التي حاول الفرنسيون فرضها من قبيل المطالبة بإصدار قرار حكومي يوقف نهائيا عمليات استيراد السيارات. وهناك من تعامل مع هذا الشرط بالذات على أنه محاولة لابتزاز الحكومة الجزائرية، لكن مع إبداء بعض الشركات العاملة الكبرى المتخصصة في صناعة السيارات رغبتها الدخول في استثمارات مماثلة ببلادنا لم يجد الفرنسيون حلا آخر سوى الخضوع لشروط الحكومة، خصوصا بعد نتائج الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية إلى ألمانيا الفدرالية نهاية العام الماضي وكذا المحادثات الرفيعة التي جمعته مع المستشارة «أنجيلا ميركل». وبالعودة إلى مشروع «رونو» فقد واجه الكثير من التعقيدات منذ المرحلة الأولى منذ بداية المفاوضات، خصوصا مع المبالغة التي أبداها الطرف الفرنسي بخصوص طبيعة الشروط التي حدّدها للحكومة الجزائرية، ولكن موقف الأخيرة كان واضحا مثلما سبق وأن أشار إليه وزير الصناعة «محمد بن مرادي» الذي أكد في أعقاب أولى اجتماعاته مع المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، «جان بيار رافاران»، أن الجزائر ترفض أن يكون المشروع «عبارة فقط عن مصنع للتركيب وإنما مصنعا حقيقيا لتصنيع السيارات مع نسبة اندماج تدريجي تسمح للمناولة الجزائرية بالمشاركة في المشروع». وحسب المتحدث فإن الجزائر «تطالب أيضا من الشريك الأجنبي أن يلتزم معنا ماليا في الاستثمار، وأن لا يسهم فقط بالاسم والعلامة التجارية وإنما نريده أن يكون شريكا حقيقيا»، معترفا في وقت سابق بالصعوبات «تفاصيل هذا الاستثمار لم يتم تحديدها بعد إلا أن المبدأ المتفق عليه خلال محادثات الجانبين هو التوصل إلى إنتاج 75 ألف سيارة خاصة سنويا تشمل ثلاثة أو أربعة أنواع». وخلال حديثه عن مضمون المفاوضات أشار «بن مرادي» إلى أنها تركزت على ضرورة أن «يتم في مرحلة أولى إنشاء مصنع للتركيب يتبع في المرحلة الثانية بتصنيع سيارات بنسبة اندماج للصناعة الوطنية تقدر ب40 بالمائة تمتد على أربع سنوات». كما أورد أنه «في حالة ما إذا نجحت المفاوضات فإن المصنع سيتم إقامته في مواقع الشركة الوطنية للسيارات الصناعية».