كشف الوزير الأول أحمد أويحيى عن تفصيل مهم جدا يبدو أنه أعاد جهود تطبيع العلاقات الجزائرية المغربية إلى نقطة الصفر، فقد أشار إلى أن الرباط "جندت اللوبي المغربي في الولاياتالمتحدةالأمريكية لاتهام بلادنا بإرسال أسلحة وكذا تجنيد مرتزقة للوقوف إلى جانب نظام القذافي". أويحيى علق على هذا العمل بالقول "ليس هذا هو الاتجاه الصحيح نحو خلق المناخ الضروري"، والوصول إلى إعادة فتح الحدود يمر عبر "إعادة مناخ الثقة"، وهذا الكلام ينقض كل التصريحات التي أطلقها الرسميون المغاربة في الفترة الأخيرة حول إمكانية فتح الحدود قريبا، وكما أن هذا التفصيل يعيد إلى الأذهان طريقة تسيير الرباط للعلاقة مع الجزائر منذ سنة 1994. المشكلة هنا هي ازدواجية الموقف المغربي، فمن جهة هناك حديث عن الحرص على تطبيع العلاقات بين البلدين، وفي المقابل هناك سعي إلى إلحاق الضرر بسمعة الجزائر ومحاصرتها دوليا وتحجيم دورها الإقليمي، وهذا يعزز حالة عدم الثقة التي ظلت قائمة بين الطرفين، وأكثر من هذا فإن المملكة تبدو وفية لمنهجها القديم في التطبيع والذي ترفضه الجزائر، فالرباط تريد أن تجعل فتح الحدود مقدمة للتطبيع في حين أن الجزائر تريده تتويجا للعملية، وقد أعطى المغرب إشارات سلبية على مدى السنوات الماضية، وكان أهم خطوة أثارت الشك حول نوايا الرباط هو قرارها الانفرادي بإلغاء التأشيرة على الرعايا الجزائريين، وهم أمر أزعج الجزائر التي أكدت أنها ترفض الخطوات أحادية الجانب التي تهدف إلى إحراج الجزائر أكثر مما تدفع باتجاه إصلاح العلاقة معها. هذه المرة يبدو الأمر أخطر بكثير، فالأكاذيب التي روجتها الرباط من خلال اللوبي التابع لها في الولاياتالمتحدة بدعم نظام القذافي بالسلاح والمرتزقة لم يكن يهدف إلى تشويه سمعة الجزائر فحسب، بل كان المقصود تأليب القوى الكبرى على الجزائر تمهيدا لعزلها وتحجيم دورها الإقليمي خاصة في منطقة الساحل الإفريقي حيث انتزعت الاعتراف الدولي بدورها الرائد في مكافحة الإرهاب بهذه المنطقة الحساسة، وقد أشار أويحيى إلى أن تبني وكالة الأنباء الرسمية المغربية لهذه الأكاذيب يكشف حقيقة ما جرى، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الجزائر تلقت استفسارات من قوى خارجية حول حقيقة هذه المعلومات ويبدو أنها استطاعت أن تبطل الادعاءات التي نشرها المجلس الانتقالي الليبي الذي كان يتلقى الدعاية المغربية ويرددها دون أي تدقيق. من هنا اعتبر أويحيى أن "قضية فتح الحدود ليست ضمن الأجندة في الوقت الحالي"، وهذا إعلان صريح بأن تمنيات المغاربة لن تتحقق قريبا لأن حكومتهم لا تبدي ولم تبرهن على حسن نيتها تجاه الجزائر، غير أنه قلل من أهمية هذه الخطوة إذ اعتبر أن "بقاء الحدود مغلقة لم يكن له أي تأثير على الإطلاق"، وأكثر من هذا فإن "المملكة المغربية تأتي في المرتبة الأولى في إفريقيا من حيث حجم المبادلات التجارية مع الجزائر، وهي تتجاوز حتى تونس"، وهذه إشارة إلى أن الهدف المغربي يتجاوز تعزيز المبادلات بين البلدين. هذه التوضيحات التي جاءت في ظرف حساس لكنه لا ينفي الجهود التي بذلت خلال الأشهر الأخيرة من أجل إصلاح العلاقات بين البلدين، وقد اعترف " بأنه سيأتي يوم يُعاد فيه فتح الحدود"، وهذا يعيد وضع التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية حول هذا الموضوع في إطارها الصحيح، فقد سبق لمراد مدلسي أن قال في حوار نشرته جريدة الشروق اليومي إن بقاء الحدود بين البلدين مغلقة أمر غير معقول، وصرح بوضوح: "لابد من فتح الحدود"، غير أنه اشترط لذلك "خلق الظروف" المناسبة، على أن يؤدي القرار إلى حفظ مصالح الطرفين "بصفة أمينة ومتوازنة "، واعتبر أن ذلك يمر عبر "التشاور بين المسؤولين"، وأكد الوزير وجود مشاورات بين مسؤولي البلدين "منذ 3 أشهر واتفقنا على تبادل الزيارات في قطاعات حساسة جدا، وربما سنستمر في هذه الزيارات إلى غاية نهاية السنة، وستنتج منها برامج تعاون، قد يكون تنفيذ نتائجها تشجيع للطرفين على خطوات أخرى بينها، لِمَ لا فتح الحدود". المسألة الأخرى التي أكدها أويحيى هي نفي تأثير الاختلاف بشأن مخرج النزاع حول قضية الصحراء الغربية على قرار الجزائر رفض إعادة فتح الحدود بالطريقة التي تريدها المملكة، بل إن التصريحات الرسمية المغربية تعتبر جزءا من حملة الضغط الإعلامي التي تهدف إلى عزل قضية فتح الحدود عن مسار تطبيع العلاقات بين البلدين، ومعروف تاريخيا أن الدبلوماسية الجزائرية لا تخضع للضغط، والأشقاء في المملكة هم أكثر الناس إدراكا لهذه الحقيقة بحكم أن محاولات الضغط التي مارسوها لعقود لم تنجح أبدا.