يبدأ اليوم وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو زيارة إلى الجزائر تدوم ثلاثة أيام، هي الأولى لمسؤول مصري منذ سقوط نظام حسني مبارك ومنذ تدهور العلاقات بين البلدين قبل عامين عندما تم تحويل التنافس الرياضي بينهما إلى خلاف عميق أثر على العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية. رغم التركيز على الجوانب الاقتصادية والتجارية، حيث يجري الحديث عن الاستثمارات المصرية في الجزائر، وعن ارتفاع حجم المبادلات التجارية خلال السداسي الأول من السنة الجارية مقابل نفس الفترة من السنة الماضية، فإن زيارة رئيس الدبلوماسية المصرية يغلب عليها الطابع السياسي بالدرجة الأولى، حيث تأتي كتعبير عن تلقي القاهرة للإشارات الإيجابية التي أطلقتها الجزائر بعد سقوط نظام مبارك، وهي بدون شك أول خطوة حقيقية على طريق تطبيع العلاقات بين البلدين بعد الهزة العنيفة التي تعرضت قبل سنتين من الآن. عملية ترميم العلاقة مع الجزائر بدت وكأنها من أولويات العهد الجديد في مصر، ففي مطلع شهر أفريل الماضي أقدم رئيس الوزراء المصري عصام شرف على خطوة مهمة عندما بادر بالاتصال بالوزير الأول أحمد أويحيى للاعتذار عن محاولة اعتداء الجماهير المصرية على الحكام الجزائريين الذين أداروا مقابلة فريق الزمالك المصري مع النادي الإفريقي التونسي آنذاك، وكانت تلك الخطوة تأكيدا على أن القاهرة تسلك طريقا جديدا وأن الأزمة التي حدثت مع الجزائر هي من المساوئ التي تحسب على الرئيس المخلوع ونظامه البائد، وكان رد أويحيى على شرف عكس تفاعلا إيجابيا من جانب الجزائر مع القيادة الوطنية في مصر، وهذا الموقف ينسجم تماما مع حرص الدبلوماسية الجزائرية على عدم التدخل في شؤون الغير، وقد قال وزير الخارجية مراد مدلسي إن الجزائر مع الشعوب ولا تدعم الأنظمة ردا على أسئلة طرحت حول عدم إصدار الجزائر موقفا واضحا من انتفاضة الشعب المصري في حينها، وقد أصبح رحيل نظام مبارك الذي تسبب في الأزمة مع الجزائر عاملا مساعدا على التطبيع. القراءة الرسمية الجزائرية لمساعي القاهرة كان قد تحدث عنها وزير الخارجية مراد مدلسي في ذلك الحين عندما أكد أن اتصال شرف بأويحيى تم فهمه على أنه تعبير عن الرغبة المصرية في تجاوز آثار الأزمة التي عرفتها العلاقات بين البلدين وأنه اعتذار عن كل الانحرافات التي تم تسجيلها في السابق، وردت الجزائر من جهتها بموقف رصين من قضية ترشيح شخصية مصرية لمنصب الأمين العام للجامعة العربية حيث دعت إلى مرشح إجماع لتجنب التصويت وقالت إنها لا تعترض على المرشح المصري، وقد خلف وزير الخارجية المصري السابق نبيل العربي مواطنه عمرو موسى في هذا المنصب بعد سحب قطر لمرشحها. الخطوة الأخرى جاءت من وزير الثقافة المصري الدكتور عماد أبو غازي الذي حضر الافتتاح الرسمي لتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية في 16 أفريل الماضي، حيث كان سباقا إلى الاعتراف بأن النظام المصري السابق هو من تسبب في الأزمة بين البلدين عندما استغل مباراة كرة القدم التي جمعت فريقي البلدين في إطار التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم العام الماضي لتحقيق أهداف سياسية، كما بادر الناشرون المصريون إلى تكريم وزيرة الثقافة خليدة تومي لدورها الكبير في إثراء الحركة الثقافية بين مصر والجزائر، ولموقفها الحضاري في تجاوز الخلاف بين البلدين. العلاقة الثنائية بين الجزائر ومصر تدخل الآن عهدا جديدا بحسب التصريحات الرسمية المصرية، وتدفعها في اتجاه التحول الأوضاع الإقليمية الجديدة التي تميزها التغيرات في المنطقة العربية، فالقاهرة التي كانت تمثل دولة محورية فيما يسمى معسكر الاعتدال العربي بدأت تتجه نحو تعديل توجهاتها، حيث يصر المصريون على أن تلعب بلادهم الدور الذي يليق بها على المستوى العربي، ويعتبر المتابعون للشأن العربي سقوط نظام مبارك بمثابة الزلزال الذي غير خارطة التوازنات في المنطقة. هذا التحول الكبير الذي لم تكتمل معالمه بعد جعل مصر محل اهتمام أهم القوى الإقليمية، والجزائر التي تمثل إحدى مراكز صناعة القرار العربي لا تريد أن تكون بعيدة عما يجري في المنطقة، ومن هنا فإن التقارب الحاصل الآن سيكون جزء من عملية إعادة ترتيب التوازنات الإقليمية، وفي حال تشكل محور جزائري مصري فإن القرارات العربية ستأخذ منحى آخر غير ذلك الذي تريده بعض القوى العربية. تعامل الجامعة العربية مع الأحداث التي جرت في ليبيا وبعدها سوريا يعكس هذا المخاض، حيث تحاول بعض الأطراف تحويل الجامعة إلى غطاء للتدخل الأجنبي حيث تسعى القوى الكبرى إلى الحصول على تفويض عربي من أجل تحقيق أهدافها، وكان قرار الجامعة العربية بطلب فرض حظر جوي على ليبيا هو الذي فتح الباب أمام التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي، وهناك مؤشرات قوية على وجود توجه نحو تكرار هذا السيناريو في سوريا مرة أخرى. الجزائر التي تقف على رأس الدول التي تعارض التدخل الأجنبي في الشأن العربي قد تشكل مع القاهرة قوة مؤثرة يمكنها إعادة التوازن إلى الجامعة العربية في هذا الظرف الحساس.