تسير الأزمة الداخلية التي تعصف بجبهة التحرير الوطني نحو مزيد من التعقيد بعد أن تكاثرت الأجنحة المعارضة للقيادة الحالية التي يمثلها الأمين العام عبد العزيز بلخادم، ويريد المعارضون حسم المعركة قبل التشريعيات من خلال عقد دورة طارئة للجنة المركزية بعد أن خسروا معركة الترشح لانتخابات العاشر من ماي . كان أول قرار اتخذته حركة تقويم وتأصيل الأفلان التي يقودها صالح قوجيل هو الذهاب إلى الانتخابات التشريعية بقوائم مستقلة، وقد تم اللجوء إلى هذا الخيار بعد فشل مساعي المصالحة بين الطرفين في شهر مارس الماضي، وقد كانت قوائم التقويمين جاهزة رغم اعترافهم السابق بأن الأفلان يجب أن يبقى حزبا موحدا وأنه ليس من مصلحته الذهاب إلى الانتخابات مشتتا، غير أن جماعة قوجيل بررت قرارها بالقول إن بلخادم كان يراوغ من أجل كسب الوقت، وأن القوائم التي أعدها أكدت انحراف القيادة الحالية عن مبادئ الحزب وعدم اكتراثها بمصلحته ومستقبله. الإعلان عن القوائم الانتخابية للحزب دفع بأجنحة جديدة في الأفلان إلى معارضة بلخادم، فقد تحرك الوزير الأسبق بوجمعة هيشور لجمع توقيعات أعضاء اللجنة المركزية من أجل عقد اجتماع طارئ، وقد جاء هذا التحرك لإسقاط بلخادم قبل التشريعيات القادمة، وقد رد الأمين العام بالقول إنه من المستحيل عقد دورة طارئة خلال شهر أفريل الجاري وتحدى خصومه إن كانوا قادرين على جمع توقيعات ثلثي أعضاء اللجنة المركزية وهو النصاب القانوني الواجب بلوغه من أجل عقد الدورة، غير أن هيشور يقول بأنه بات قريبا من جمع العدد المطلوب وأن الإطاحة ببلخادم ستتم قبل موعد الانتخابات. هذا التطور جاء ليزيد الضغط على الأمين العام، غير أنه في المقابل لا يعكس التجانس بين معارضي بلخادم بل يفتح الباب أمام مزيد من الانقسامات حتى ولو تمت الإطاحة ببلخادم، فالمجموعة التي يقودها هيشور لا تربط تمردها على بلخادم بقوائم الترشح رغم أنها تعارض الطريقة التي جرى بها إعداد هذه القوائم، وقد توقع هيشور ألا تحصل هذه القوائم حتى على ربع مقاعد البرلمان القادم، في حين أن التقويميين أظهروا نواياهم بشكل مبكر عندما اختاروا دخول الانتخابات بقوائم مستقلة، وهذا الخلاف قد يضع التقويميين ومجموعة هيشور وجها لوجه في مرحلة ما بعد بلخادم، ورغم أن قوجيل رحب بمبادرة جمع التوقيعات لعقد ندوة طارئة للجنة المركزية إلا أن الخلاف في منهج الضغط على القيادة الحالية واضح بين الطرفين، فقد اعتبر دخول الانتخابات من قبل التقويميين إشارة إلى قبول ضمني بتحكيم سياسي على أساس نتائج الانتخابي وهو ما يريده بلخادم الذي تعهد بالاستقالة إن لم يفز الحزب في الانتخابات، والمقصود بالفوز هنا هو الحصول على المرتبة الأولى دون أن يعني ذلك ضمان الأغلبية، ويريد بلخادم أن يلعب أوراقه دفعة واحدة، فربط مستقبله السياسي بنتائج الانتخابات يعطيه فرصة ثمينة لتسجيل مزيد من النقاط على حساب خصومه، وقد أشارت بعض استطلاعات الرأي إلى أن الأفلان سيحصل على عدد معتبر من الأصوات في الانتخابات، وفي حال حدوث ذلك فإن مكانة الأمين العام ستتعزز وسيكون قادرا على سحق معارضيه، ويذهب البعض إلى القول بأن فوز الأفلان بالانتخابات سيمهد الطريق أمام بلخادم للسير قدما نحو هدفه الأساسي وهو الترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2014. من هنا أراد دعاة الدورة الطارئة للجنة المركزية تجريد بلخادم من كل أوراقه قبل الانتخابات لتفادي أي مفاجآت، فإسقاط الأمين العام الآن يبعد عن هذه الحركة شبهة السعي إلى الترشح باعتبار أن أبواب الترشح أغلقت، ويعطيها، في حال نجاحها، السيطرة على الحزب في المرحلة القادمة دون أن تتحمل مسؤولية نتائج الانتخابات في حال إخفاق الحزب في الحصول على العدد المرجو من المقاعد، غير أن الأمر ليس بهذه البساطة، فضمن الساعين إلى جمع التوقيعات يوجد تيار يدعو إلى عودة الأمين العام السابق علي بن فليس، وهذه الدعوة تتعارض أساسا مع توجهات هيشور ومقربيه الذين كانوا من أكبر الداعمين للرئيس بوتفليقة عندما نشب الخلاف بين الرجلين قبيل انتخابات الرئاسة سنة 2004، كما أن كل معارضي بلخادم حرصوا على تأكيد ولائهم لبوتفليقة والتزامهم بدعم الإصلاحات السياسية التي جاء بها، وهذا عامل آخر قد يفتح أبوابا للخلاف بين معارضي القيادة الحالية للحزب، وقد يمنح بلخادم هامشا أوسع للمناورة لتجاوز امتحان الثقة وتأجيل التحكيم إلى ما بعد الانتخابات.