تسارعت الأحداث بشكل دراماتيكي في شمال مالي منذ إعلان فرنسا بدء عملية عسكرية واسعة لمنع تقدّم متمرّدي الجماعات المسلحة نحو الجنوب، وتنذر التطورات الميدانية بحرب طويلة الأمد غير مضمونة العواقب، لكن الثابت أن ما أقدمت عليه باريس يُعيد إلى الأذهان الأطماع الاستعمارية التي طالما حرّكت فرنسا في اتجاه إفريقيا، والمبرّر هذه المرة «حماية مالي من الجماعات الإرهابية». نفّذت فرنسا تهديداتها ولم تفوّت أول فرصة أتيحت لها لتنفيذ مخططاتها العسكرية في مالي بتزكية من حكومة «باماكو» ودون الحاجة إلى الحصول على ترخيص من الأممالمتحدة، فقد سارعت إلى شنّ هجمة عسكرية استعملت فيها الطيران الحربي لدفع الجماعات المسلحة المقرّبة من تنظيم «القاعدة» إلى التراجع ومغادرة مدينة «كونا» الإستراتيجية التي أعلن الجيش المالي استعادة السيطرة عليها من جديد. وتبعا لذلك سقط أوّل عسكري فرنسي في العمليات العسكرية، ويتعلق الأمر بضابط لقي حتفه خلال غارة شنتها مروحيته الجمعة على «رتل لإرهابيين» في وسط مالي بحسب ما أعلن عنه أمس وزير الدفاع الفرنسي «جان-إيف لودريان» الذي قال في مؤتمر صحفي بباريس بأن المروحية شنت الغارة قرابة الساعة الثالثة من زوال الجمعة «وتمكنت بدعم من الجيش المالي من تدمير العديد من الوحدات الإرهابية وأوقفت تقدمهم. وخلال هذه المعارك العنيفة أصيب أحد طيارينا بجروح توفي على إثرها». ووفق توضيحات «لودريان» فإن الضابط الطيار «أصيب بنيران سلاح مشاة خفيف وليس بنيران مدفعية»، معلنا أن وحدات فرنسية انتشرت اعتبارا من مساء الجمعة في «باماكو» لحماية الرعايا الفرنسيين المقيمين في عاصمة مالي بعيد ساعات من بدء العملية الفرنسية، وتابع: «إن الأوامر صدرت لنشر أولى الوحدات الفرنسية في باماكو.. إن تعزيز هذه الوحدات جار الآن وسيزاد عددهم إلى فرق عديدة..». وفي أوّل ردّ فعل عن مقتل الضابط الفرنسي أعرب الرئيس «فرنسوا هولاند» في بيان أمس عن «حزنه العميق»، وتزامنا مع ذلك أعلن الأميرال «ادوار غيار»، رئيس أركان الجيوش الفرنسية، أن العملية التي تشنها قواته في مالي أطلق عليها اسم «سيرفال» أو «القط النمر»، موضحا أن العملية الجارية تديرها «على المستوى التكتيكي قيادة عمليات مقرها مالي، وعلى المستوى الاستراتيجي قيادة عمليات مقرها باريس إلى جانب وزير الدفاع ورئيس الجمهورية». وقبل ذلك كان وزير الخارجية، «لوران فابيوس»، كشف عن تفاصيل إستراتيجية عن التدخل، وأوضح في مؤتمر صحفي أن «الوضع تدهور بشدة في الأيام القليلة الماضية. المتمرّدون قرّروا التوجه جنوبا وهدفهم على ما يبدو الاستيلاء على مالي كلها وإقامة دولة إرهابية»، وواصل قائلا: «يجب وقف هجوم المتمردين وإلا فإن مالي كلها ستسقط في أيديهم مما يشكل تهديدا لأفريقيا أو حتى لأوروبا». وأضاف المتحدث أن «فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تساعد حكومة مالي عسكريا إلى الآن لكن سيجري تسريع نشر قوات إفريقية لتنضم إلى العملية العسكرية»، وقال «فابيوس» إن الحكومة حذرت عائلات الرهائن من أن تقدّم المتمرّدين يعني أنه لن يكون في مقدور فرنسا الدفاع بعد ذلك، وأضاف أنه حثّ ما يقرب من 6 آلاف فرنسي في مالي على مغادرة البلاد إن أمكن لكن مصادر دبلوماسية قالت إنه لم يتقرر أي إجلاء في الوقت الحالي. من جهتها أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» عن قرار إرسالها قوات بشكل فوري إلى مالي، وجاء فى بيان لها أن رئيس ساحل العاج، «الحسن واتارا»، الذي يتولى الرئاسة الدورية للمجموعة لتنه «بعد التشاور مع نظرائه وانسجاما مع القرار 2085 الصادر عن مجلس الأمن يقرر السماح بإرسال قوات على الأرض بشكل فوري في إطار القوة الدولية لدعم مالي وذلك لمساعدة الجيش المالي في الدفاع عن سلامة الأراضي». إلى ذلك كشفت وكالة الأنباء الفرنسية أن باريس طلبت في رسالة موجهة إلى مجلس الأمن الدولي «الإسراع بتنفيذ القرار 2085» الذي يسمح خصوصا بنشر قوة دولية في مالي، وضمّنت في الرسالة أنها «تحيط علما» المجلس بأن «القوات المسلحة الفرنسية قدمت ردا على طلب (قدمته مالي) وبالتشاور مع شركائنا، خصوصا في المنطقة، دعمها إلى الوحدات المالية لمكافحة العناصر الإرهابية». وأضافت الرسالة التي سلّمها السفير الفرنسي بالأممالمتحدة إلى نظيره الباكستاني، «مسعود خان»، الذي يرأس مجلس الأمن الدولي في الشهر الحالي، أن هذه العملية «ستستمر الوقت اللازم لها»، وأن بلاده «تغتنم هذه الفرصة للتأكيد على أن تطور الوضع يبرر الإسراع في تنفيذ قرار مجلس الأمن الذي يوافق على عملية عسكرية بقيادة افريقية في مالي».