بقلم: سهيلة بورزق/ الجزائر كلّما استدرجت رأسي للكتابة عن المثقف، شعرت برغبة ملحّة للحديث عن الكائنات الفضائية التي تعشق الظهور في الأفلام الأمريكية بشكل خاص لتوريث الخيال الخصب للأجيال المهتمة بذلك.قد يكون الأمر حقيقيا لكن على الأقل ليس في مرحلة وجودي. في الواقع أحاول أن أجد شبيها للمثقف الجزائري في العالم يُحدث ضجيجا اسفزازيا أو يمارس سلطة ما لبناء حركة غير تقليدية في مجتمعه. الأكيد أنّ العقل النّزيه لا يسمح بالسخرية من صورة المثقف وهو يحاول تجاوز العنف والتّعصب، لكن للأسف هذا ما لا أجده بين مثقفينا في الجزائر. هناك طبقات من المثقفين ينتشرون في جميع جهات البلاد، يشتكون من خيانة بعضهم لبعض، وفي الوقت نفسه لا يجرؤوا على فضح تلاعب ذوي السلطة غير الرسمية في احتكار المناصب والمؤسسات لتعزيزعصابة الحكم. إنّ المثقف الحقيقي هو حالة مجازية غير واقعية بدليل عدم قدرته على التأثير في المجتمع الجزائري فمنذ الخمسين سنة بعد الإستقلال لم يظهر أي مثقف مستقل فعال ومتجدد في حركة دائمة لتغيير ما يراه مناسبا. البعض من المثقفين يضطرون إلى خيانة ضمائرهم وقتل مواهبهم تماشيا مع ذريعة المسؤولية للبقاء على الكرسي للنّضال ضد المستهلك وهنا أذكر خطورة الوصولية التي يمتاز بها هؤلاء للوصول إلى الواجهة وهم من الطبقة التقليدية التي تظهر لتعيش على فتات وظيفتها الحتمية هي إرضاء قانون العلاقات والمصالح العامة. من هم هؤلاء الذين يصنعون قارئا جديرا بالإحترام وهم لا يحترمون دورهم الإنساني والإجتماعي والنّفسي والفلسفي والسّياسي؟ من هم هؤلاء الذين يجرّون الجزائر إلى هاوية البحث عن مثقف خارجي ليعيد ترتيب الحس والذوق الثقافي لدى مجتمع يحاول الخروج من هلاكه اليومي؟ من هؤلاء الذين يشرّعون لذواتهم الحق في تعظيم أفكارهم؟. ثمة ثقافة أخرى يتجاهلها المثقف الجزائري وهي ثقافة الحس الأخلاقي الرّفيع ولا أعتقد أنّ من دونه تستطيع أي حركة ثقافية الإستمرار بشكل صحيح . من الخطأ أن يكون المثقف مشبوها في أخلاقه وعلاقاته، إنّه بذلك يتنازل عن دوره الحقيقي في التّخفيف من حدّة الصدام بين ضميره وفكره. هناك علامات ناذرة على فقر المثقف لدينا وهو يجرّ ذيله معه نحو الإنغماس في المنافع المادية والمظاهر ومع ذلك لايزال القارىء يقرأ خارج حدود مثقفي البلاد، ويستسهل قدرته على فهم العالم الآخر في غموض ما حوله من تطرّف وفوضى لا حل لها. لا أحد يصدّق أنّ المثقف الجزائري كذب على القارىء منذ الإستقلال وغيّب فيه ثقته بنفسه وحرمه من تعلم طريقة نقاش ما يقرأ برأس معتدلة. نحن لا نفهم دائما دور القارىء لأنّه بالنسبة لنا هو المستهلك الوحيد الذي لا يناقش ما لايفهم، وبالتالي نستطيع أن نحدد هنا أهمية دور المثقف في سجن المجتمع في خيانته. ما لا تشكون فيه أنّ هناك طبقة مثقفة جديدة، هي نتاج ما سبقها لا علاقة لها بالمجتمع، طبقة تعيش في السماوات، تنتج فكرها لأجل النّجاح خارج حدود الجزائر. الذين كان عليهم الثورة على الرداءة كمثقفين حقيقيين فضلوا الإنزواء في كواليس الحياة لعدم صلاحية الظروف أو لخوفهم من القتل. لأجل جميع هذه الأسباب أنا واقفة في صفّ الشباب المثقف الحالي الذي لا يملك ثمن كوب شاي، جيل يقرأ بأكثر من لغة واحدة.. جيل فهم لعبة اللصوصية التي يمارسها المثقف المخضرم.. جيل سريع الفطنة، جيل يتعامل مع التكنولوجيا عن معرفة وثقة..جيل يعرف جيّدا أن الكائنات الفضائية وجدت للسيطرة على العقول الفارغة ولتحسيسها بالخوف والخطر الدائمين وهوالأمر الذي لن يتحقق إلا في عقول الأغبياء.