بقلم: نزار سرطاوي هذه الأنفاس لا أطيقها. تقترب مني. تقترب أكثر وأكثر. أكاد أختنق. واللحية الكثة تلامس وجهي. تكاد تجرحني. أففففف، شفتاي. شيء مقرف هذا الشعر الأبيض الخشن. ورائحة السجائر. متى يتوقف؟ أبي مرّ قبل دقائق. رآني أجلس ملتصقة به – جارنا، الرجل العجوز. "السلام عليكم. كيف حالك شيخنا؟" ابتسم ورد السلام. "لا تتأخري يا بنت. روحي ساعدي أمك وحضري دروسك،" قالها أبي ومضى. شقيقي مرّ هو الآخر. يكبرني بسنتين. حياني أو حيّاه بكلمة واحدة، "مَرْحبا" وراح يصعد سلم البناية قفزاً وهو يدندن "جاري يا حمودة، حمووودة." أما هو فدسّ يده تحت الفستان، فستاني أنا. أحسست بأصابعه الخشنة تتقدم ببطء. شيء في داخلي يتراجع إلى الخلف. يهرب بعيداُ. يعدو بدون توقف. لكن جسدي لم يبرح مكانه، لكأنما انفصل عني. يده ما زالت تتقدم. وجسدي ما زال متسمراً. أصابعه تمتد وتلامس أشياء مني لا أعرف حتى كيف ألفظ اسمها... الخوف يجتاحني. أحس ببرد شديد. تدب في بدني قشعريرة. أطرافي ترتجف. أريد أن أصرخ بأعلى صوتي، لكن شيئاً ما يقف في حلقي. أشعر بجفاف في فمي. فجأة دبت الحياة في أوصالي. انتفض جسدي كله وهب وافقاً، لا أعلم كيف. انسحبت يده ، بل سقطت. تهيأت قدماي للانطلاق. لكنه قبض على يدي اليسري بإحدى يديه. كانت مبتلة قليلاً ودافئة وكبيرة وقوية. يده الأخرى دست في يدي شيئاَ، قطعة معدنية على ما يبدو. نفضت يدي لأتخلص منها ومنه. لكن قبضة يده راحت تضغط على إصابعي حتى أطبقت عليها تماماً. أرخى يده ثم عاد فضغط قليلاَ كأنما يريد ان يطمأنني. أما أنا فسحبت يدي وتحركت بهدوء. يدي ما زالت تطبق على القطعة المعدنية. قدماي تصعدان السلم على مهل، درجةً درجة. أتحسس خطواتي وأبطئُ أكثر فأكثر. الشقة في الدور الثالث. رأسي فارغ تماماً. فجأة ترنّ في داخلي دندنة أخي. قدماي ما تزالان ترتقيان درحات السلم، ويدي ما تزال تطبق على القطعة المعدنية بقوةٍ لم أعهدها في نفسي. وصوت في داخلي لا أعرفه يردد بلا توقف: "جاري يا حمودة، حمووودة."