دمشق -في روايتها الجديدة "عذارى لندنستان"، الصادرة عن "دار الآداب"، لهذا العام، تقدم اللبنانية حنان الشيخ صورة عن طبيعة المرأة التي تحررت من قيود المجتمع العربي ورحلة بحثها عن الرجل خلال سلسلة من المغامرات العاطفية المليئة بالمفارقات الكوميديّة، فالصديقتان هدى وإيفون اللتان رسمت الشيخ بداية صداقتهما في روايتها "امرأتان على الشاطئ" تعودان للقاء مرة أخرى لكن هذه المرة في لندن. لا نرى في المغامرات التي تعيشها كل من هدى وإيفون أيّ دور فاعل للذكر، فهو يراوح بين العطالة والحلم البعيد صعب المنال، أما الذكران اللذان تدور حولهما الأحداث فهما أقرب إلى التكثيف الرمزي للرجال خارج المنطقة العربية، هما جيمس الأنكليزي المعطوب عاطفيا وهشام الجزائري الأصولي ذو التفسيرات الغريبة للدين الإسلامي. تدور أحداث رواية "عذارى لندنستان" بين بلدين؛ الأول إيطاليا حيث تمرّ كل من هدى وإيفون بمغامرتين عاطفيتين فاشلتين مع رجلين غريبين، لتبدأ بعد ذلك سلسلة من الإحباطات تمران بها في أنكلترا بمدينة لندن، وبالرغم من انفتاحهما على الحياة ونجاحهما المهني، إلا أنهما دائمتا الحديث عن الرجال وعن محاولات اجتذابهم، ليبرز التناقض بين إيفون الجريئة الغاوية وبين هدى التي تستخدم الرجال كوسيلة للانتقام من تربيتها الأسرية. هذه الأخيرة ابنة لشيخ تربت تربية دينية، إلا أنها مع وفاة والدها تسافر إلى كندا لدراسة المسرح وخوض معترك الحياة وإقامة علاقات مختلفة مع الرجال كردّ فعل على القمع الذكوري الذي عاشته في طفولتها، إذ تستذكر ما كان يحدث معها وهي طفلة من تأنيب وتعنيف نتيجة لعبها مع الذكور من جيلها. كذلك إيفون التي تبدو فاقدة للحب وتبحث عنه دائما، بالرغم من كل النجاحات التي تعيشها، نراها تتعلق بجيمس ثم هشام الذي سبق له أن أقام علاقة مع هدى بل وتزوجها بصورة غرائبية، مع ذلك تنجذب إليه في سبيل البحث عن الاستقرار. العادات والدين كل من هدى وإيفون تعانيان من تأثير الدين والعادات المتعلقة بعلاقة المرأة والرجل، بالرغم من أنهما تنتميان إلى ديانتين مختلفتين "هدى مسلمة وإيفون مسيحية" إلا أن النشأة في بلد مثل لبنان زرع فيهما آلية التفكير الذكورية، وحتى الرحيل إلى أوروبا فرارا من الحرب لم يغير من بنيتهما العاطفية بالرغم من الانفتاح والتحرر اللذين تتحدثان بهما، ويتضح ذلك في المكيدة الانتقامية التي رسمتها هدى لتوقع بهشام. إلا أننا نراها تخاف من مواجهته بل إنها تهرب وترفض الحديث معه بعد تجربتها الجنسية معه، كذلك إيفون التي تنصاع لرغبتها الأنثوية في التهاوي بين ذراعي هشام ذاته بوصفه الرجل المخلّص، بالرغم من أنها ما زالت تعيش على ذكرى جيمس الذي التقته مرة واحدة قبل عدّة أيام من لقاء هشام. الرواية مليئة بالمفارقات الكوميدية سواء على صعيد اللغة التي تتراوح بين العامية والفصحى، أو على صعيد المواقف التي تمرّ بها الشخصيات، إذ تتخلل السرد قصص عن الألعاب الطفولية والمواقف الشعبيّة التي برغم إثارتها للضحك تبعث على الحزن، لما تحمله من نظرة مهينة للمرأة. كل هذا الإضحاك قائم على تضخيم العيوب بهدف انتقادها، وحتى هشام الذي تدور حوله الأحداث، نراه أقرب إلى صيغة كاريكاتورية، فهو من الجزائر وقد لقبتاه ب"تأبّط شرا" لملامحه الصحراوية القاسية ودفاعه المستميت عن الدين الإسلامي في الساحات العامة. إلا أنه وبرغم تمسكه بتعاليم الدين نراه ينصاع لرغبات هدى ثم إيفون بعدها، بالإضافة إلى تقديمه تأويلات غريبة للأحكام الإسلامية، تجعل ما يقوله وما يقوم به مضحكا، لكن ليس من المستحيل أن يوجد أشخاص مثله في الواقع من ذوي التفسير المنحرف للدين. كما ترسم الرواية صورة عن طبيعة العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين في لندن، بحيث نرى الاجتماعات التي يحق لأيّ شخص التدخل بها تقام ب"السبيكرز كورنر" في "هايد بارك" حيث تتفاوت الآراء والنظرة إلى أولئك الذين يمثلون الدين الإسلامي. الجانب المظلم الرواية ترسم صورة لأنثى قد تبدو ناجحة وتحصل على ما تريد، إلا أن هناك جانبا محزنا في الحياة اللامعة التي تعيشها، فالرغبة في إيجاد الرجل وشريك الحياة حاجة طبيعية لديها. والرحيل إلى الغرب يزيد الأمر تعقيدا حيث تبرز المقارنات بين الرجل الغربي والرجل العربي، ويتجلى الاختلاف في التعامل مع المرأة لديهما. هذا التناقض يتضح بين كل من جيمس وهشام، فالإنكليزي اختفى دون أيّ أثر بعد أن قضى بعض الوقت في حفلة زفاف مع إيفون، في حين أن هشام بقي يلاحق هدى في سبيل أن تفي بوعدها بالزواج منه. صوت الكاتبة والروائية اللبنانية حنان الشيخ يعلو على أصوات الشخصيات بأكملها لتبدو أحيانا وكأنها تتحدث باللسان ذاته، كذلك تبدو رواية "عذارى لندنستان" وكأنها تريد أن تلقن الرجل العربي -من خلال هشام- درسا عبر المقالب التي تقوم بها كل من هدى وإيفون، والفشل أمام الرجل الأوروبي الذي لا ينظر إلى المرأة كما ينظر إليها العربي بوصفها أداة جنسية وإناء لتفريغ اللذة.