يعدّ جامع القيروان من أكبر المساجد الجامعة الباقية في الإسلام وأعظمها مظهرًا؛ إذ يبلغ طوله 126 مترًا وعرضه 77 مترًا، وطول بيت الصلاة فيه 70 مترًا وعرضه 37 مترًا، وصحنه فسيح واسع، طوله 67 مترًا وعرضه 56 مترًا، ولهذا الصحن مجنبات، عرض كل منها نحو 6 أمتار وربع متر، وتنقسم المجنبة إلى رواقين ويشتمل بيت الصلاة على 17 رواقًا عموديًّا على جدار القبلة. كان جامع القيروان قديما منارة العلم في المغرب الإسلامي، حيث تخرج فيه علماء أفذاذ، صاروا سراجا للمعرفة بعد عودتهم إلى أوطانهم، وهم الذين يفخر بهم العالم الإسلامي اليوم حين يحتسب بعض رصيده التاريخي من العلم والدعوة إلى الله، ولعل أبرز شاهد على جهود جامع القيروان هو أن شيوخه ممن تلقوا علومهم في هذا المسجد هم الذين جعلوا من مسجد القرويين ب«فاس» في المغرب جامعة كبرى إثر نزوحهم من القيروان بعد الغارة الهلالية، وكان من بين العلماء الذين نشروا علمهم في هذا الجامع «علي بن زياد»، تلميذ «مالك بن أنس» و«أسد بن الفرات» الذي أقام مدة طويلة في المدينةالمنورة، قادما إليها من القيروان ليأخذ المذهب المالكي، كما أن الإمام «سحنون بن سعيد»، هو الآخر سافر إلى المدينةالمنورة للاستزادة من العلم وعاد إلى القيروان ليلقي دروسه في جامعها ويكون إمامًا وقاض في مدينتها، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن هناك العديد من علماء القيروان ممن شاركوا في كثير من الأمور السياسية والعسكرية للدولة، حيث شارك البعض في وضع خطة مدروسة لفتح جزيرة «صقلية» في عهد الأغالبة، ولعل قاضي القيروان المشهور «أسد بن الفرات» الذي تلقى علومه في مسجد القيروان وقاد الجيش إلى فتح «صقلية»، حتى قال المؤرخون في هذا العمل الحربي "إن خطة «صقلية» هي خطة مدروسة، فكَّر فيها قادة القيروان آنذاك مليًّا وشارك في وضعها علماء القيروان أيضًا ولا سيما قاضيها «أسد بن الفرات»"، ولم يكد يمض على بناء جامع القيروان عشرون عامًا حتى هدَّمه «حسان بن النعمان الغساني»، ما عدا المحراب، وشيد «حسان» مسجدًا جديدًا في موضع الجامع القديم، فيما بين عامي 78 - 83 للهجرة الموافق للفترة بين 693 - 697 ميلادية، واحتفظ فيه بمحراب «عقبة»، وتمَّ بناء مسجد «حسان» من الجهة الشمالية المقابلة للقبلة، تجنبًا لتغيير جدار المحراب، وذكر البعض عن جامع القيروان أن «حسانًا» زاد في عدد أروقته وأن بيت الصلاة الجديد كان يشتمل على 4 أي أروقة عرضية، ولم يكن للمسجد آنذاك مجنبات تُطل على الصحن وتدور حوله. توسيعه بأمر من الخليفة «هشام بن عبد الملك» في عام 105 للهجرة الموافق لسنة 724 للميلاد ضاق الجامع بالمصلين، فأمر الخليفة «هشام بن عبد الملك» عامله على القيروان وقتئذ «بشر بن صفوان» في الفترة بين 103 و109 هجرية بزيادة مساحة المسجد، فاشترى «بشر» أرضًا محيطة بالمسجد من شماله وضمها إليه وبنى في الصحن صهريجا للمياه وأضاف إلى بيت الصلاة 3 أروقة أخرى، مَدَّ بها طول بلاطاته، ثم بنى مئذنة للمسجد منتصف جداره الشمالي داخل الصحن، على بئر كانت تعرف ب"بئر الجنان" ونصب أساسها على الماء، ويذكر «ابن عذارى» أن «يزيد بن حاتم» جدَّد بناء المسجد الجامع بالقيروان عام 157 للهجرة الموافق 774 ميلادية، ولكن يعتقد البعض من المتتبعين أن أعمال «يزيد» لا تعدو كونها مهمة إصلاح وتجديد لبعض الزخارف. أسطورة محراب «عقبة بن نافع» ظل المسجد على حالته بعد زيادة «بشر بن صفوان» إلى أن تولى «زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب» الإمارة بإفريقية عام 221 للهجرة الموافق لسنة 836 ميلادية، فبدأ بهدم أجزاء كثيرة منه دون أن يُغَيِّر كثيرًا من نظامه أو يبدل حدوده، ويذكر «البكري» أن «زيادة الله» أراد هدم المحراب فقيل له "إن من تقدمك توقفوا عن ذلك لما كان واضعه «عقبة بن نافع» ومن كان معه، فألحَّ في هدمه لئلا يكون في الجامع أثر لغيره، حتى قال له بعض البناة، أنا أدخله بين حائطين ولا يظهر في الجامع أثر لغيرك، فاستصوب ذلك وفعله ولم يهدمه، وبني المحراب الجديد بالرخام الأبيض، ويغلب على الظن أن بيت الصلاة في عهد «بشر بن صفوان» كانت تتألف من 18 رواقًا، فهدم «زيادة الله» الرواقين؛ التاسع والعاشر وأقام بدلا منهما رواقًا واحدًا فسيحًا، فأصبح للمسجد 17 رواقًا، الرواق الأوسط منها أكثر من بقية الأروقة اتساعًا وارتفاعًا، ويفسّر البعض قول المؤرخين بأن «زيادة الله» هدم الجامع كله بأنه هدم أسقف الجامع وأقامها من جديد. وبنى «زيادة الله» قبة على أسطوان المحراب، زخارفها على نمط زخارف اللوحات الرخامية التي كسا بها المحراب الجديد، أما أسوار الجامع ومحرابه وأعمدته فظلت كما كانت عليه أيام «بشر بن صفوان»، ويبدو أن «زيادة الله» أنفق على هذه الأعمال المعمارية بالجامع أموالاً كثيرة وأنه زوَّد الجامع بصورته الأخيرة التي لا زالت عالقة به، وهي صورة لم تتغير على مر الزمن، وهو الذي وضع للأروقة نظامها الفريد الذي يَشِفُّ عن أصالة وابتكار، وذكر «ابن عذارى» أنه قال "ما أبالي ما قدمت عليه يوم القيامة وفي صحيفتي أربع حسنات: بنياني المسجد الجامع بالقيروان وبنياني قنطرة «أبي الربيع» وبنياني حصن «سوسة» وتَوْلِيَتي «أحمد بن أبي محرز» قاضي إفريقية". «إبراهيم الأغلب» وزيادته في طول الجامع كان ما قام به «زيادة الله» من عمارة يُعَدُّ بناء جديدًا للجامع، وهو ما كان يفخر به «زيادة الله»، وفي عام 248 هجرية الموافق ل862 ميلادية تمّت زيادة في جامع القيروان، ولا يُعلم ماذا قصد المؤرخون من ذكر هذه الزيادة، ولكن ربما كان المقصود بها تتمة أعمال البناء التي شرع فيها «زيادة الله»، ولما تولى «إبراهيم بن أحمد بن الأغلب» الإمارة زاد في طول الجامع عام 261 هجرة الموافق 875 ميلادية، وبنى القبة المعروفة ب"باب البهو" على مدخل الرواق الأوسط، وأقام «إبراهيم بن أحمد» المجنبات التي تدور حول الصحن كذلك، وظل المسجد على هذه الصورة دون أي تغيير حتى أضاف إليه «بنو زيري» واجهات، وسُجِّلَ تاريخ هذه الإضافات على أحد أعمدة المجنبة الغربية، إذ نُقشت عليه كتابة بالخط الكوفي نصها "هذا ما أمر بعمله «خلف الله بن غازي الأشيري» في رمضان من عام اثنين وأربعمائة"، وكذلك أقام «المعز بن باديس» في المسجد المقصورة الخشبية التي ما تزال منصوبة حتى اليوم بجوار المحراب، وفي عام 693 هجرية أمر بترميم بيت الصلاة.