عندما اتصل بي ممثلو قناة الجزيرة الفضائية بالرباط للمشاركة في الحصة الإخبارية اليومية الحصاد المغاربي للتعليق على خطاب الملك محمد السادس في الذكرى العاشرة لتوليه العرش الملكي، الذي خص جزء منه لقضية التطبيع مع الجزائر وفتح الحدود البرية، كان تودد صاحب الاتصال أن يكون التحليل في الاتجاه الذي يخدم فتح الحدود بين البلدين، وهي رغبة لا يخفيها كل جزائري خصوصا بعد الرسالة الدبلوماسية التي سبق للرئيس بوتفليقة أن بعث بها قبل ساعات قليلة من خطاب العرش. وفيها بعض الدلالات التي اعتبرتها بعض الأوساط الإعلامية بأنها إيجابية بالأخص في الشق المتعلق بإعجاب الرئيس بالمجهودات التنموية للملك في ذكراه العاشرة، وهي نفس اللغة الدبلوماسية التي استخدمها الرئيس في مناسبة أخرى عندما أكد للملك بأن العلاقات الثنائية بين البلدين التي تمر بفترة توتر ستتحسن يقينا في المستقبل، واستخدام مصطلح التوتر في اللغة الدبلوماسية يعني أن المسائل العالقة بين البلدين لا ترقى لدرجة الصراع أو النزاع، وهو ما يمكن تذليله مع الوقت، وكان هذا هو يقيني وأنا أتحدث مع الإعلامي من الرباط لضبط موضوع المناقشة، أي أن الجزائر والمغرب يمكن أن يتجاوزا مرحلة التوتر إلى مرحلة أفضل ينتعش فيها التبادل التجاري وتدب فيها حركية السياحة التي اتجهت شرقا بالنسبة للجزائريين، وكان اتفاقي أن نعمل كمثقفين على دفع الساسة إلى بناء مغرب عربي يخدم التنمية المتبادلة بما يحقق المصالح المتبادلة، وبمجرد انقطاع المكالمة الهاتفية أخذت الخطاب الملكي بكامله الذي نشرته وكالة الأنباء المغربية الرسمية في حينه. وأخذت أحلل سطوره وما تحت السطور وما خلفها، فأيقنت أننا كمثقفين لازلنا نحلم بمغرب عربي كبير ليس هو الذي في ذهن ساسته، لأن الخطاب لم يكن موجها أصلا للتطبيع مع الجزائر بقدر ما هو تحميل وزر تأخر مشروع المغرب العربي للطرف الجزائري الذي يتحمل بمفرده قضية إعاقة ما سماه الملك بحقوق المواطنين في البلدين في ممارسة حرياتهم الفردية والجماعية، في التنقل والتبادل الإنساني والاقتصادي، وهو بذلك يقدم طعنة دبلوماسية في ظهر الجزائر ليشهد الرأي العام المغربي في الداخل بأن سبب الضعف التنموي في المناطق الحدودية الشرقية للمغرب سببها تعنت الطرف الجزائري، الذي يعني في لغة النزاعات الدولية توجيه الإحباطات الداخلية نحو العدو الجار الذي يعمل على إعاقة مشاريعنا التنموية ويهدد وحدة ترابنا الالمقدس، وبذلك يجد صانعو القرار بعض المتنفس الخارجي لتجنب بعض الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تحدث بسبب ضعف الأداء الاقتصادي والاجتماعي الرسمي ولتبرير الفشل التنموي، ويقيني هنا أن الخطاب الملكي كان موجها بالدرجة الأولى للمواطنين المغاربة بهذا التفسير، أي تحميل الطرف الجزائري الذي يصر على غلق حدوده البرية في الاتجاه الذي يعرقل ما سماه الملك بالحقوق الفردية والجماعية في ممارسة حرياتهم الإنسانية والاقتصادية، ويشير بعض الخبراء هنا أنه منذ سنة 1994تاريخ الأزمة السياسية بين الرباطوالجزائر عندما اتهمت السلطات الأمنية المغربية الأجهزة الأمنية الجزائرية بأنها كانت وراء تفجير فندق أطلس أسني بمراكش، تكبدت المغرب ما يقارب 20مليار دولار خسارة بسبب غلق الحدود البرية مما أضر بتنقل السلع أو تهريبها مع الانعكاسات السلبية للسياحة في المناطق الشرقية للمغرب، وتقديرات أخرى تشير إلى أن المغرب يخسر مليار دولار سنويا بسبب غلق الحدود وقد تتضاعف في عز الأزمة الاقتصادية العالمية. كما أن خطاب الملك كان موجها بالدرجة الثانية للقوى الدولية المهتمة بالشأن المغاربي سواء في واشنطن أو باريس أو مدريد وحتى لمبعوث الأممالمتحدة لقضية الصحراء الغربية، ورسالته التي تبدو واضحة تقول بأن المغرب بتقديمه لمشروع الحكم الذاتي الموسع لتسوية الملف الصحراوي لا يعد تنازلا من القصر بقدر ما هو توجه نحو الديمقراطية اللامركزية في الأقاليم المغربية مع توسيع المشاركة السياسية، وهو خيار ترجمه الخطاب الملكي بأنه توجه لمراعاة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وبذلك يحاول إيهام المجتمع الدولي بأن المفاوضات المباشرة في منهاست أو المنتظرة فيئفيينا مع البوليساريو هي مسألة داخلية، والطرف الجزائري هو الذي يدفع بالخيارات الأخرى التي تطرحها الأممالمتحدة والخاصة بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. كانت هذه هي قناعاتي وأنا أحلل الخطاب الملكي الموجه للتطبيع مع الجزائر، الذي لم يخرج عن توجيه الرأي العام في الداخل للعدو الجزائري والتشويش على القناعات الدبلوماسية الخاصة بتسوية مسألة الصحراء الغربية بأن الجزائر هي التي تقف وراء تعطيل خيار الحكم الذاتي الموسع. ويبقى السؤال الذي دار حوله النقاش على قناة الجزيرة مع أستاذ للعلوم السياسية من المغرب، لماذا تصر الجزائر على غلق الحدود البرية في ظل اليد الممدودة كما سماها صحفي القناة الفضائية؟ وإجابتي أن الطرف الجزائري لا يزال يشترط ما يسميه بالتسوية الشاملة للمسائل الأمنية العالقة، من تهريب للمخدرات وما تمثله من مخاطر على الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي باعتبار أن المغرب يستحوذ على إنتاج 60بالمائة من القنب الهندي، وكلما وجد الجدار العازل لتسويق هذه السلعة نحو أوروبا يبحث عن منافذ له في الجنوب الجزائري، ولم تستبعد بعض التقارير الأمنية من توظيف أموال المخدرات بتجارة الأسلحة وتمويل الحركات الإرهابية، وهو الملف الأمني الآخر الذي تطرحه الجزائر بأن يكون التنسيق على مستوى مكافحة الإرهاب لأن التجربة دلت بأن القصر حاول توظيف بعض الجماعات المسلحة في الجزائر لمقايضتها بملف الصحراء الغربية، والإعلام المغربي يشير لقضية جماعة بلعيرج ولقضية توظيف الراحل إدريس البصري لتلك الجماعات وهي شهادات تطابقت مع وزير الدفاع الجزائري الأسبق، خالد نزار، في مذكراته فيما يخص مساومة لعيادة. يضاف إلى قضية المخدرات والإرهاب قضايا تهريب السلع والهجرة السرية، حيث تختلف المقاربة الجزائرية مع الرؤية المغربية التي ترى بأن تسوية ملف الحرافة يتم بالاتفاقات الثنائية مع دول الجوار مع قيام المغرب بدور الحارس للحدود الأوروبية، في الوقت الذي تربط الجزائر ملف الهجرة السرية بملف التنمية الشاملة وهو ملف يعني الدائرة الأوروبية مع الدائرة الإفريقية، لأن تنمية إفريقيا تمثل الاستقرار الدائم للقارة الأوروبية التي تتحمل تاريخيا واقتصاديا الأوضاع التنموية والإنسانية لشعوب القارة الإفريقية، وهو المشروع الذي حملته الجزائر في إطار النيباد. على كل حال يبقى أن التناقضات بين الجزائر والمغرب ليس كما يدعي الملك بأنها بسبب إصرار الجزائر على غلق الحدود البرية، لأن المسألة أكثر تعقيدا كما صرح وزير الداخلية الجزائري وهو يرد قبل أشهر قليلة على اتهام محمد السادس للجزائر بأنها تسعى نحو بلقنة المغرب العربي:''هل نبحث عن مغرب عربي كما يريد المغرب أم كما تريده شعوب المغرب العربي؟'' والتوتر سيبقى قائما هل نقيم مغرب عربي بخمس دول كما جاء في خطاب الملك أم مغرب عربي بست دول بإضافة الجمهورية العربية الصحراوية؟