يبدو أن السجن ببلادنا لم يعد مكانا لإعادة التربية، بالرغم من الإصلاحات التي كانت في كل مرة تتبناها وزارة العدل فيما يخص تحسين وضعية المساجين، إلا أن هذه الإصلاحات ضرب بها عرض الحائط من طرف مساجين حولوا معالق أكل وشفرات حلاقة إلى أسلحة بيضاء يستعملونها أمام أعين العدالة وخلال المحاكمة… ويتساءل الكثيرون عن كيفية وصول الأسلحة البيضاء إلى “المحابيس” وكيف استطاعت عجوز إدخال خنجر إلى ابنها المسجون بسركاجي داخل حبة “محاجب” وامرأة أخرى أدخلت المخدرات لابنها المسجون بالحراش داخل حلوى “مقروط اللوز”، وهل للأمر علاقة بتواطؤ أعوان الحراسة؟ سجين يطعن زميله أمام القاضي.. جرت خلال الأسبوعين الفارطين حادثتان متفرقتان بمجلس قضاء العاصمة، بطلاها سجينان موقوفان استعملا أسلحة بيضاء أمام القاصي، الحادث الأول يتعلق بسجين متابع بالسرقة، حيث مثل للمحاكمة أمام محكمة الاستئناف إلى جانب متهم آخر غير موقوف. ووسط أسئلة القاصي حاول المتهم غير الموقوف إبعاد التهمة المتعلقة بسرقة هاتف نقال عنه، وأكد أن المتهم الموقوف وراء عملية السرقة، الأمر الذي استفز المتهم فأخرج شفرة حلاقة من تحت لسانه، وضرب بها المتهم الثاني على الوجه أمام أعين هيئة المحكمة والحضور في الجلسة، وتعالت الأصوات وسط حالة من الهلع والرعب، مما استدعى تدخل أعوان الأمن الذين قاموا بتكبيل المتهمين، فيما أمر القاضي برفع الجلسة وتأجيل كل القضايا إلى جلسة أخرى مع متابعة المتهمة بجنحة أخرى قد تصل عقوبتها إلى 5 سنوات لاسيما أنه ارتكبها أمام العدالة. حادثة أخرى جرت نهاية الأسبوع الفارط بمجلس قضاء العاصمة، حيث أقدم أحد المتهمين بعد سماع الحكم الصادر في حقه بالصعود فوق الكرسي وتوجيه وابل من الشتائم والسب لقاضي الجلسة قبل أن يخرج خنجر من سرواله ويقوم بخدش معظم أعضاء جسده بداية من وجهه وبطنه قبل أن يتدخل أعوان الأمن الوطني، وسط حالة فوضى عارمة وهلع كبير من طرف الحاضرين في الجلسة لاسيما عائلة المعني بالأمر. القاضي من جهته أمر برفع الجلسة والمداولة في قضية المتهم الذي وجهة له تهمة إضافية متعلقة بإهانة هيئة عمومية أثناء تأدية مهامها. عجوز تخفي خنجرا داخل حبة محاجب لابنها من جهة أخرى يتساءل الكثيرون عن كيفية وصول الأسلحة البيضاء إلى المتهمين وهم في السجن وسط رقابة صارمة، إلا أن كانت الرقابة متساهلة في هذا الأمر وهو السؤال الذي يطرح نفسه، إذ كيف استطاعت عجوز أن تدخل خنجرا من الحجم المتوسط داخل حبة “محاجب” لابنها السجين بالمؤسسة العقابية لسركاجي، فيما استطاعت أخرى حسب أحد المحامين إدخال كمية من المخدرات من نوع “الكيف” لابنها المسجون بالمؤسسة العقابية بالحراش داخل حلوى تقليدية “مقروط اللوز” لأجل ترويجها وسط المساجين، ولم يصل الأمر إلى هذا الحد، بل أصبحنا بحكم عملنا اليومي في المحاكم، نرى المساجين يتحدثون مع أصدقائهم أو أحد أقاربهم عن الكمية المطلوبة من المخدرات لجلبها لهم، حيث قال أحد المساجين بصوت مرتفع “سي بون ماتزيدش تجيب، ماراهيش تمشي” ما يعني تحقيق الاكتفاء الذاتي بتلك المؤسسة العقابية المتواجد بها فيما يخص المخدرات والحبوب المهلوسة فأين الرقابة من كل هذا. لا يجب تحميل المسؤولية لأعوان الرقابة والقانون يعاقب بشدة يرى المحامي سعيد علمي، في اتصال مع “البلاد”، أنه لا يجب أن نحمل أعوان الرقابة المسؤولية الكاملة عن تساهلهم فيما يخص إدخال المخدرات والأسلحة البيضاء للمساجين، مؤكدا بحكم عمله كمحامي أن بعض الأشخاص يتفننون في إدخال المخدرات والأسلحة البيضاء إلى مسجونهم، فلا يستطيع عون الأمن فتح حبة المحاجب مثلا وتفتيشها، مؤكدا أن المساجين أصبحوا يصنعون الأسلحة بطرق تقليدية، فمثلا يقومون برحي الملعقة من الجانبين لتصبح آلة حادة تعرف لديهم “بالنصلة”، مصيفا فيما يخص إدخال المحبوس للأسلحة البيضاء إلى جلسة المحاكمة، يقول إنهم يخبئونها في أماكن يصعب اكتشافها. وتعليقا على ما جرى في مجلس قضاء العاصمة، صرح بأن القانون صارم مع مثل هذه الحالات، حيث ستكون العقوبة مشددة تصاف إلى العقوبة السابقة للمسجونين، مضيفا أن ما جرى يعتبر تهورا من المسجون أو انتقاما لدخوله السجن.