رأى عدد من الباحثين والمفكرين أن الجزائر ظلمت الفيلسوف والمفكر مالك بن نبي، إذ لم تتفطن لفكره وسلمته الإدارة دون أن تدرس نظرياته، في حين فعلت دول غربية كالولايات المتحدة وماليزيا وحتى إسرائيل التي تدرس طلبتها في الجامعات فكره بعدما أيقنت أن الفيلسوف الراحل كان يستشرف المستقبل، فما كان لهم إلا أن أخذوا به. وحضر في الندوة الفكرية الشهرية التي نظمها المجلس الإسلامي الأعلى بالعاصمة مساء أول أمس، الدكتور يوسف محمد حسين للحديث عن مؤلفه “موقف مالك ابن نبي من الفكر الغربي الحديث”، أنه لا بد من إعادة النظر في فكر هذا العملاق الذي لا تزال نظرياته صالحة للاستثمار في العالم الإسلامي، بل وتطبيقها والاقتداء بها يعد مطلبا ضروريا لا بد من تحقيقه حتى يقوم المفكرون بالعالم الإسلامي ويؤسسوا لمشاريع النهضة فيه. وتوقف المحاضر وصاحب كتاب “موقف بن نبي من الفكر الغربي الحديث” الذي طبع بالمدينة المنورة، عند الكثير من المسائل ذات الصلة بفكر بن نبي الذي توفي عام 1973؛ أهمها موقفه من جهود رموز النهضة في العالم الإسلامي وعلى رأسهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو والبشير الإبراهيمي وعبد الحميد ابن باديس الذي كان دائما على خلاف معه، حيث كان بن نبي يقف موقفا نقديا من هؤلاء، فتارة يبين إيجابياتهم وأخرى عكس ذلك، مع إعطاء بدائل للنهضة في العالم الإسلامي خاصة فيما يتصل بقضية الاستعمار ومسألة الاقتباس التي تعني أن العالم الإسلامي يعيش حالة من الاقتباس كونه يعاني التخلف العلمي والتكنولوجي. وفرض هذا الأمر، حسب يوسف محمد حسين، أن ينفر بعض المفكرين ليقتبسوا من الغربي العلم والتكنولوجيا والحكمة التي لا تتعارض مع الإسلام والمعتقدات والأفكار الدينية، وهو ما تضمنه الباب الأول من مؤلف الدكتور يوسف حسن. وتضمن الباب الثاني للكتاب الذي يقع في 560 صفحة؛ ضرورة تجنب البلدان الإسلامية الأخذ بالفكر الغربي “الخطير” على هذه الأمة وأبنائها، وذلك بالتدبر في ما كان يدعو إليه بن نبي الذي وقف موقفا وسطا من الفكر الغربي الحديث وانتقاده نقدا بناء دون اقتباسه أو مناقضته للفكر الإسلامي. من ناحية أخرى، وصف الدكتور يوسف محمد حسين خريجي الجامعات الجزائرية ب”الأميين”، وراح إلى أبعد من هذا لينعتهم ب”التافهين” بالنظر إلى مستواهم الثقافي الضعيف الذي يعكس، حسبه، عدم حرصهم على التدبر في المسائل الفكرية والفلسفية والثقافية التي شغلت بال الباحثين والمفكرين، في حين ينشغلون بالمسائل التافهة والأحاديث الفارغة التي لا تزيد مستواهم إلا تراجعا نحو الخلف، على حد تعبيره.