البعرة تدل على البعير، وما كان أمس أويحيى، حيث استقالة “الشجعان” كما يطلق عليها المتأثرون بتعثر سي أحمد، أضحى “غاب” قوسين أوأدنى من يوم بلخادم الممطر والعاصف، حيث بين خبر السبت وأخبار الأحد، أسئلة معلقة ومغلقة عن هوية ضاغط الزرّ الذي أعطى أوامر الزحف على قلاع رجلين، كانا قبل أيام من توقيع نهاية مهمتهما، يمثلان واجهة السياسة وواجهة الرئيس، الراعي والحاضن الرسمي لبلخادم ولأويحيى، ظلا لآخر رمق يغردان أنهما “حسنة” من نعم بوتفليقة المتعددة، لينقلب الحال بين “نقمة وضحاها”، ويبدأ العد العكسي لنهاية زعيمين من ورق، أظهرت أيامهما الأخيرة أنهما لم يكونا طيلة الوقت سوى “خضرة فوق طعام”.. فكما أويحيى العبقري والعفريت والمارد، لم يكن إلا خدام احزام، قالوا له “هوينا” فهواهم، دون نقاش ولا “تعفاس” أو جدال، فإن بلخادم على خطى سابقه، عرته من قواه الخارقة رسالة ليس لك علينا من سلطان، التي بعث بها إليه وزراء كانوا مقربي عرشه، فإذا العرش مجرد “عش”، وإذا بلخادم وأويحيى الخارقان حكاية غبية وساذجة ومبتذلة عن ساسة كنا نظن فيهما بعضا من شكيمة وقوة، ليفضحهما “الحدث” الأصغر الذي ألم بهما، فاضحا “تبعبعهما” الآنف الزمان والمكان.. أويحيى خرج بلا ضجيج، مجرد إشارات وغمزات من جهة ما، تعرف عنه ما لا نعرف، كفته كل حلم في الاستمرار وفي مواصله مهامه الحزبية، فرغم ما كنا نظن أننا عرفناه، عن الرجل “الواعر” والسياسي المحنك والمقاتل المتمرس، إلا أن النهاية الدرامتيكية لعفريت الأرندي أغنتنا عن أي تعليق يمكن أن يفسر لنا كيف لنورية حفصي، مجهولة “الزمام” والمكان السياسين، أن تدخل بيت الأرندي دون قتال، ولا مقاومة ولا حتى توضيح عقلي بسيط لما تهاوى في رمشة عين من عرش لأويحيى كان الجميع يشتم فيه رائحة الطامع والمتربص بالكرسي الكبير، فإذا الزمن يدور وإذا “نورية” المتواضعة كما وكيفا، تصرع أويحيي وما أدراكم ما أويحيى وما الجزائر، دون نزال، فهل لنا أن نفهم ماذا يجري خلف ستار المسرح الكبير، فلعبة “الكومبارس”، واضحة المعالم، وليست نورية ولا قيدوم، شفاه الله، من يفعلان هذا المعجزة الكونية، وينهيا من نعلم أنه أويحيى وليس أي أويحيى.. بلخادم في جهته و”جبهته” الأخرى، عنوان آخر، وليس أخيرا، عن تصحيح مفترض ظل يقارع طاحونة دونكيشوت لأكثر من عشرة أشهر، دون نتيجة تذكر، وحين يئست الطاحونة من دونكيشوتها واقتربت الحكاية من الأرشفة التاريخية، كنكتة متوارثة عن دونكيشوت له في كل زمن مستنسخه، انقلبت الأمور رأسا على “طرب”، ليعتلي العرش “هادي خالدي”، وصله مدد غير متوقع، ليرفع من شأن وشأن صحبته، في رمشة “يؤتي الملك من يشاء”، ويعلن في الجهة الأخرى أن بلخادم، أمين الحزب الأول في جزائر ديمقراطية “الأفلآن” يفوز والأفلان ينجح، ليس إلا “خادم” معبد، هوت به جدران المعبد، بمجرد أن نزعت عنه الرعاية السامية لمن أسدل عليه مكارمه.. قالها الرئيس يوما..”اجنانا طاب”، لكن التحولات والانقلابات المحترفة التي تحدث اليوم على مسارح الأحزاب السياسية الكبيرة، حيث قذائف “الهب هاب” فعلت أفاعيلها في كبار كنا نؤمن بحصانتهم الدائمة والمؤبدة، تلك التحولات والانقلابات جسدت أمرا واحدا: أنه ليس “الجنان” الذي “طاب” ولكنه “جنونهم طاب” واستوى على آخر وجبة رسمية فيه. ترى من اغتال أويحيى “العظيم” ومن أطاح ببلخادم المتعاظم شأنه بهذا الشكل المفرط الضحك؟ هل هم أولئك الذين نرى من سفاسف سياسية، لا يتجاوز تأثيرها وأثرها مساحة القدمين، أما أنها الآلة الأخرى لسلطة قررت تلميع الواجهة الحزبية بما يخدم أجندة لاحت جغرافية متغيراتها؟ ليس الأمر شأنا داخليا بالنسبة للأرندي والأفلان، وغدا حمس، فالأمر لا يتعلق بالنضال ولا بالمبادئ وتجاوزات قادة الأحزاب التي فجرت تحالفات وتعالفات على أعلى مستوى ومحتوى سياسي، ولكنها حكاية طا ه محترف قدم للجمهور العزيز وجبة سياسية ذات رائحة وقرابين مسلية، تسيل لعاب المتتبعين لمسرحية أنه في هذا البلد يوجد “حزب مستقل”.. فكل الأشياء متساوية، وليس هناك حزب ولا زعيم مستقل، فالكل في عرف جزائر “الديمقراطية”.. مشروع زعيم ومشروع معزول، فأي إرادة تلك التي يمتلكها كتاب السيناريو، على قلب الطاولة في وجه الجميع، ومن هو بربكم “رئيس كل الأحزاب..؟” وهل من التغابي أن نبتلع أن حكومة من الوزراء انخرطت دون سابق إنذار و”سعار”، دفعة واحدة، لتقيل بلخادمها من تلقاء عمار تو أو بن عيسى العاقل والمهادن.. أظن أن الأمر يتجاوز العقل، فلا نورية أنهت أويحيى، ولا الهادي خالدي أو جمال ولد عباس أنهيا بلخادم، فقط في الأمر و”المرّ” وجبة فاحت رائحتها، بشكل فاضح، والجميع مدعو لمتابعة توابلها، وقبل أن توزع صحون الإطعام على “اللاعقين”.. نسأل..الرائحة تزكم الأنوف، فأي “عشاء” تحضرون؟ المفترض في التغيير الذي تحركه رمال وزوابع سياسية ما، لإحداث عمليات جراحية في واجهة أحزاب السلطة، أن يكون في مستوى الحدث والحديث القادم، وإلا فإن اللعبة بشكلها المبتذل والمعروض الآن لن تخرج عن سياق “جنون طاب”.. فحين نعرف أن من يفكر في خلافة أويحيى هم نفس الشخوص الفاقدي الأهلية الشعبية، وحين نشتم من التغيير الذي يحوم حول الأفلان، بأن بلخادم سيخلفه من كان مستشاره أو “مريده” الذي أدخله في “الجعبة”.. نقول إن الوجبة بتوابلها وشكلها الحالي مجرد مناورة “سلطوية”، لاعبها احميدة ورشامها احميدة.. فمتى تخرجون احميدة من منصة المسرح، وتعوضونه بدحمان أو لقمان أو أي اسم آخر يليق بمقام التغيير المفترض لواجهات حزبية فقدت تأثيرها وأثرها.. إنهم نفس الأوراق المحترقة من تتجدد وتتمدد لتواصل مسيرة نحن على “العهد باقون”، فأي عهد يا ترى لا يزال محل بقاء و”بغي”؟