دخل حزب جبهة التحرير الوطني أسبوعه الثالث دون أن يتمكن من إيجاد "خليفة" لبلخادم، ليبقى منصب الأمين العام شاغرا وهذا يعد سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحزب، حيث لم يُفوّض أي مسؤول بالحزب لتولي تسيير المرحلة الانتقالية كما ينص على ذلك القانون الأساسي، وتم الاكتفاء بإيكال مهمة "التنسيق الإداري" لعضوين من المكتب السياسي. ورغم أن الحزب العتيد مر بأزمات مماثلة ويمتلك رصيدا كبيرا من حالات استقالة وإقالة الأمناء العامين الذين سبقوا عبد العزيز بلخادم، إلا أن الوضع الراهن مختلف تماما ويعد أكثر تعقيدا بإجماع قيادات الأفلان نفسها، حيث لم يسبق وأن عانى الحزب من انسداد كالذي يعيشه اليوم، ولم يتأرجح كما يفعل الآن عندما أطاحت موقعة سان إيديجيو بعبد الحميد مهري سنة 1996 بعد جلوسه إلى جانب قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ على طاولة واحدة. ولم يهز الانقلاب الأبيض على بوعلام بن حمودة بيت الحزب العتيد كما يهتز الآن. كما لم تحدث تفرقة بين أبناء الحزب والمحتمين تحت قبعته بالصورة الحالية عند إقالة الأمين العام السابق علي بن فليس بموجب حكم قضائي أصدرته المحكمة ليلا، أقصت من خلاله الحركة التصحيحية تحت قيادة بلخادم آنذاك بن فليس خارج اللعبة السياسية. وتوحي مرحلة المخاض العسير الذي يعانيه الأفلان ل«إفراز" أمين عام جديد خلفا لبلخادم، بأن الأزمة ازدادت تعقدا في بيت الحزب العتيد رغم نجاح المعارضة في سحب الثقة من بلخادم، لكن هذا الإنجاز الذي يفترض أن يكون في حد ذاته حلا للأزمة التي عمرت طويلا تمخضت عنها أزمة جديدة أكثر تعقيدا، فالأولى تم تسويقها على أنها صراع نابع من "غيرة" جماعة من "المناضلين الأوفياء" على مستقبل الأفلان ضد جناح بلخادم الذي أعابت عليه جماعة التقويمية الانحراف بالحزب وتلطيخه بالمال الفاسد، وأعاب عليها (بلخادم) أن معارضتها "مفلسة سياسيا" تبحث عن الامتيازات والحصانة النيابية، لكن الأزمة الحالية أكثر عمقا فالمعارضة أصبحت مشتتة فور سحبها البساط من تحت بلخادم وأظهرت تضاربا في المواقف بشأن من هو مؤهل لتسلم الأمانة العامة للأفلان.