من أبرز الأحداث التي شهدتها الساحة السياسية خلال 2010، الأزمة التي عصفت بالحزب العتيد "الآفلان" والذي بدا أنه لا يخرج من حركة "تصحيحية" حتى يدخل في أخرى، الأزمة التي دخلت شهرها الثالث وإن كانت لا تقارن بسابقتها وأن حدتها قد خفتت قليلا في الوقت الحالي، إلا أن بوادر انفراجها لم تلح بعد في الأفق في ظل تمسك كل طرف بمواقفه ورفضه التنازل لخصمه. أزمة الجبهة التي بدأت مع أواخر شهر أكتوبر المنصرم، لاحت بوادرها قبل ذلك من خلال مقاطعة بعض إطارات الحزب من الأعضاء السابقين في الأمانة التنفيذية وكذا اللجنة المركزية رفقة عدد من النواب في البرلمان للعديد من النشاطات والاجتماعات التي نظمتها قيادة الآفلان، ومنها أشغال تظاهرة الجامعة الصيفية التي تمت تحت رعاية وإشراف بلخادم والجلسة التي دعا إليها هذا الأخير نواب حزبه في البرلمان أواخر أكتوبر الماضي قصد الفصل آنذاك في كيفية التعامل مع بيان السياسة العامة للحكومة ومناقشة قضايا حزبية ونظامية في ظل بداية الخلافات التي بدأت الظهور داخل صفوف الحزب.وواجه بلخادم هجمة إعلامية وانتقادات واسعة من معارضيه حول قراراته خاصة ما تعلق منها باختيار مرشح الحزب للمجلس الدستوري، بالإضافة إلى التعقيدات والمناوشات التي واجهتها عملية تجديد الهياكل في الولايات والتي وصلت إلى مشادات استعمل فيها العنف الجسدي، غير أن الانفجار الحقيقي لأزمة الآفلان الحالية كان بظهور بعض الوزراء إعلاميا وتصدرهم الحركة المعارضة لبلخادم علنا، فضلا عن بعض الإطارات والقيادات التاريخية للحزب، وإن كان هؤلاء قد نفوا في البداية وجود حركة تصحيحية أو تقويمية جديدة، وإنما مجرد رغبة منهم- كما قالوا- في لفت انتباه الأمين العام لما أسموه بالخروقات والتجاوزات التي تحدث في الآفلان خاصة على المستوى التنظيمي، مؤكدين أنهم لا يريدون زعزعة استقرار الحزب، منتقدين على وجه الخصوص طريقة تجديد هياكل الآفلان عبر الولايات وظروف الشفافية التي تمت فيها، وطالبوا بلخادم في ذات الوقت بالتعامل بحكمة وحنكة مع الانشغالات المطروحة بدل ما أسموه بالانغلاق.من جهة أخرى نفى أبرز وجوه المعارضة داخل الآفلان الوزير الهادي خالدي أن يكون للرئيس بوتفليقة أي علاقة بهذه الحركة، وذلك في ردّه على المطالبين بتدخل الرئيس لحل أزمة الآفلان، كما دعا إلى ضرورة التشبيب وعدم إدخال غرباء لصفوف الآفلان وضرورة إعادة ترتيب أموره الداخلية قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، غير أنه في ذات الوقت نفى أن يكون في نية "التقويميين" داخل الحزب عقد مؤتمر استثنائي أو حتى تنصيب هيئات موازية على مستوى الولايات.قيادة الحزب التي أظهرت عدم اكتراثها وتجاهلها لما يحدث وما يقال في وسائل الإعلام في بداية الأمر، كانت تحضّر لرد قوي على خصومها سيما في ظل دعم التيار المساند لبلخادم والذي ظهر بقوة في عدة لقاءات نظمها الأمين العام مثل الاجتماع التاريخي بمدينة باتنة واللقاء التنسيقي الذي عقد بمدينة الشلف أين أعلن 52 من محافظي الجبهة وقوفهم إلى جانب أمينهم العام في وجه الضغوطات التي يخضع لها وأيّدوا طريقته في تسيير الحزب العتيد مستنكرين ما أسموه بالحملات التي تستهدف بيت الآفلان وزعزعة استقراره واصفين ذلك بالتصرفات غير المسؤولة، بل وذهبوا إلى غاية مطالبة بلخادم باتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لوضع حد "للتجاوزات الخطيرة" وذلك عن طريق تفعيل لجان الانضباط المحلية والمركزية. وخلال اجتماع المكتب السياسي بالعاصمة الذي تم بتاريخ 27 أكتوبر 2010 ، أصدر بلخادم قرارا بدعوة لجنة الانضباط المركزية إلى تفعيل دورها والشروع في البحث في ملفات وسلوكات بعض القياديين في الحزب الذين اتهموا بالإخلال بقواعد الانضباط، وأوضح بيان المكتب السياسي آنذاك أن هذا القرار يأتي قصد معاقبة كل من ثبتت إدانته طبقا للأحكام الواردة في القانون الأساسي والنظام الداخلي للآفلان، حيث استدعت اللجنة المركزية للانضباط بعض القياديين المعارضين مثل الهادي خالدي ومحمد الصغير قارة للاستماع إليهما بخصوص تصريحاتهما المنتقدة لقيادة الحزب، في حين رد هؤلاء بأن قرار استدعائهم من طرف لجنة الانضباط غير دستوري واصفين هذه الخطوة بالمهاترات وقلة النضج السياسي خاصة أن ذلك تزامن مع الذكرى 56 لاندلاع الثورة وهو ما اعتبروه غير مقبول ومنافي للدستور .وكانت لجنة الانضباط قد أوصت في تقريرها النهائي الذي سلمته للأمين العام منتصف ديسمبر الماضي، بتجميد عضوية كل من الهادي خالدي ومحمد الصغير قارة في هياكل الحزب إلى غاية المؤتمر القادم، وذلك بناء على أحكام القانون الأساسي للجبهة، سيما بعد عدم مثول هذين العضوين أمام اللجنة الانضباطية المركزية وفقا لما قرره المكتب السياسي للحزب في شهر أكتوبر 2010. من جهة أخرى فشلت "الحركة التقويمية" في إفشال انعقاد الدورة العادية للجنة المركزية للحزب بتاريخ 16 ديسمبر 2010، حيث أعلن التقويميون مقاطعتها بعد مقاطعتهم قبل ذلك اجتماع اللجنة التنسيقية، حيث لم يتغيب عن اللجنة المركزية سوى25 عضوا من أصل351 عضوا، وهو ما يضع المعارضين في موقف لا يحسدون عليه، وحسب رئيس اللجنة المركزية فإنه من بين 25 عضوا غائبا، سجلت 13 حالة غياب مبررة، وهو ما أضفى الشرعية على اجتماع اللجنة المركزية من حيث توفر شرط اكتمال النصاب القانوني المنصوص عليه في القانون الأساسي والنظام الداخلي للآفلان.