لم أسمع أن ملكا أو رئيسا أو أميرا.. أو شيخ قبيلة أو عشيرة.. أو رئيس حزب.. أو حتى زعيم عصابة تبسط هيمنتها على شارع منكوب.. في مدينة عربية حزينة.. قد كتب استقالته بيده.. وقدمها للشعب أو لجماعة "الحل والعقد".. ثم مضى في حال سبيله. لم يقع هذا أبدا.. فالعربي يحمل عهدا أبديا مع الكرسي الذي يجلس عليه.. أنه لن يتركه إلا بإحدى ثلاث.. عندما يقبض عزرائيل روحه.. أو حين يسقطه شارع منتفض.. أو متى رُتب له انقلاب أبيض أو أحمر. بعض حالات التنحي النادرة.. لم تأت في سياق الزهد في المنصب.. أو الإيمان بضرورة التداول على السلطة.. بل أحاطت بها ملابسات نجهلها.. لهذا السبب يسيل دم الحاكم العربي على الكرسي.. وتتهرأ أعضاؤه الداخلية والخارجية.. ويفقد القدرة على الإبصار.. ويدمر الزهايمر خلاياه العصبية.. وهو متشبث بالكرسي.. معتقدا أنه خلق للكرسي.. وأن الكرسي خلق له! *** توريث أمير قطر الحكم لابنه.. شيء لم أفهمه.. إذ لا أملك الادعاء أن العائلة الحاكمة قد ارتدت عليه.. فلا دليل على صراع ظاهر أو خفي من أجل التوريث.. ولا أرى أن أمريكا حملته على التنحي.. لأن أمريكا تفضل الحاكم الذين يعشق الكرسي.. وليس الحاكم الذي يهددها بالاستقالة.. ولا أجد سببا للقول إن الرجل يعاني علة ما.. فكم من حاكم عربي يحكم.. وهو محمول على نقالة! الشيء الذي نعلمه.. أن الشيخ "حمد".. كان جريئا في فتح الجراح العربية المتقيحة.. ولهذا السبب كان أعداؤه أكثر من أصدقائه.. ونعلم أيضا أنه قد أقال أباه في 1995.. فهل قرر أن يقيل نفسه تكفيرا عما فعل؟ بصراحة.. إننا لا نعلم لماذا جاء.. ولماذا ذهب؟