بلغت درجة خطر الانهيار المفاجئ ذروتها بالبنايات المطلة على شاطئ البحر الواقع بشارع المقراني الليدو بالمحمدية والتي تعود طبيعتها المعمارية إلى العهد الاستعماري، حيث أن أكثر من 50 عائلة تقطنها تصارع الموت غرقا بعد اجتياح مياه البحر تدريجيا أساساتها المتآكلة لتتحول اليوم مسافة 30 متر من موقع مجمعها السكني إلى شاطئ بالكامل نتيجة انجراف التربة، فضلا عن فيلات فاخرة حديثة النشأة هي الأخرى مهددة بخطر الاندثار الذي يبقى مرهونا باستئناف أشغال ما تبقى من مشروع جدار كسر الأمواج بالجزائر العاصمة وفق معاهدة حماية سواحل الأبيض المتوسط- كتانيا 2003 كانت الساعة تشير إلى حدود الثانية بعد الزوال عندما قصدنا وجهة شارع المقراني وبالضبط نحوحي الليدوواختيارنا لهذا التوقيت لم يكن اعتباطيا، كونه تزامن مع موجة الاضطرابات الجوية الأخيرة التي شهدتها المناطق الساحلية للوطن وذلك بهدف تشخيص المعاناة الحقيقية لقاطني المنطقة، خاصة وأنها مطلة على العواصف الهوجاء لأمواج البحر التي تزداد قوة أثناء التقلبات الجوية سنويا، حسب ما أدلت به شهادات محلية للبلاد في هذا الروبرتاج. عندما دخلنا شارع المقراني بحثنا عن موقع الليدو المتضرر بدا لي أن مرشدي الذي وجهني إلى هذه المنطقة باعتباره أحد أبناء الحي، لم يكن بنية نقل الواقع المعيشي للمتضررين وإنما لاعتبارات شخصية، لأنني لم ألتمس حينها وأنا أجول رواق فلات فاخرة ومنشآت متميزة حديثة النشأة، وجود سكنات قديمة يعود تاريخها للحقبة الاستعماري، لكن ما إن وطأت قدماي على بعد مسافة نحو 200 متر من المدخل الرئيسي نحو بوابة مركز التدريب العسكري للحرس الجمهوري من الجهة الأساسية المقابلة، شق سمعي أمواج البحر الهوجاء وهي تعصف بإحدى أعمدة بناية متآكلة واقعة ضمن مجمع سكني -حي الليدو- الذي وقعت عليه أنظاري يمينا فبدا لي عبارة عن هياكل إسمنت منصبة بدون أرواح بشرية. وتبدأ رحلة المغامرة لم يكن من السهل عبور شق البحر كفاصل بين جدار المجمع السكني والشاطئ الذي فرضت علينا رماله المجتاحة لمساحة الراجلين، التأرجح تارة والتعثر تارة أخرى أثناء خطوات التنقل من بيت لآخر، بسبب قوة الأمواج الهوجاء في ذلك اليوم، زيادة عن الموقع الجغرافي لنحو 50 بناية قديمة، أضحت اليوم جزءا من شواطئ البحر بعدما مست ظاهرة انجراف التربة 30 مترا من جدارها الفاصل طيلة أكثر من 8 سنوات، حسبما كشف عنه قاطنو حي الليدو، مبرزين في ذات الشأن أن الظاهرة تفاقمت في الآونة الأخيرة إثر نفاذ مياه البحر إلى أساسات الموقع، مما أفرز تآكل معظم البنايات الموجودة بالحي وهو الوضع المأساوي الذي بات يشكل خطرا على حياة القاطنين سيما بعد تسجيل عدة حوادث انهيار مروعة بالكامل خلفت اليوم العديد من الجرحى المصدومين نفسيا والمتشردين.. وقائمة الضحايا مفتوحة قال محدثونا أمام استمرار سياسة تنصل المسؤولين المحليين من مسؤولياتهم اتجاه المواطنين وسياسة ما أسموه الصمت الرهيب لسلطات بلدية المحمدية خاصة، رغم إشعارها مرارا بالخطر المحدق بهم تحت رحمة الأمواج الهوجاء التي ازدادت قوتها بضرب المنطقة بعد توقف أشغال مشروع كسر الأمواج بالعاصمة على مستوى شاطئ المرسى عبر الطريق الرابط بين الليدو وبرج الكيفان طيلة 5 سنوات وذلك في إطار تثمين وحماية الساحل الذي أطلقه رئيس الجمهورية، إذ خلف المشروع بدوره -قال كمال احد قاطني الحي منذ العهد الاستعماري- أضرارا وخيمة على السكان ماديا ومعنويا، باعتبار قوة ضغط مياه البحر اصبحت متمركزة بالمنطقة في ضرب البنية التحتية لركائزها وما ساعدها من عوامل مناخية -يتحدث وفي عينيه بريق من دموع الحزن والأسى- عندما اطلعنا على وضع مأواه رفقة أفراد عائلته وهو في حالة يرثى لها، حيث تظهر للعيان أعمدته الحديدية بعد تآكل الاسمنت نتيجة اجتياح المياه للمسكن وارتفاع منسوبها اليوم إلى نحو 2 متر مما بات يشكل خطر الموت غرقا على قاطنيه على غرار باقي العائلات الأخرى. بنايات مهجورة... أسوار منهارة وشبح البحر يترصد الضحايا عائلة جمعة المتكونة من 3 أفراد تعيش اليوم التشرد بعدما فقدت مأواها بالموقع إثر انهياره بالكامل منذ سنتين، حيث لازال حادثها المروع راسخا في أذهان أصحاب حي الليدو بمشاهده الأليمة بعدما تحول هيكله الاسمنتي المنصب منذ أكثر من 40 سنة إلى ردوم فجأة دون سابق إنذار. وروى شهود عيان في سياق متصل أنه لحسن حظ افراد العائلة كانوا غائبين وقت وقوع الحادث باستثناء ربة البيت التي كادت أن تكون من بين تعداد الضحايا تحت الأنقاض لولا التدخل الفوري لأحد الجيران إثر سماعها تطلب النجدة لانتشالها من ردوم البناية المنهارة ... ليتم نقلها بعد ذلك على جناح السرعة إلى مصلحة الاستعجالات بالمستشفى ومكثت بها لمدة 15 يوما نتيجة إصابتها الخطيرة على مستوى الرأس، ذكر محدثنا، وهو يسترجع الصورة المأساوية للحادث بملامح حزينة... مشيرا بسبابته نحو المكان الذي انتشل منه الضحية، حيث كانت وقتها بصدد إعداد وجبة الغذاء لأبنائها المتمدرسيين بالمطبخ ليتحول هذا الأخير فجأة إلى ردوم... ونحن نتفقد البناية من وضعها الداخلي اصابنا الذهول لحجم الخسائر المادية الفادحة التي بقيت آثارها شاهدة على مأساة اصحابها على غرار باقي البنايات المتضررة الأخرى والمهجورة لشبح الرعب الذي بات يراود قاطنيها يوميا بمحاذاة امواج البحر كحال عائلة باجوج التي وقفنا على اطلالها بعد هجرها المكان منذ سنة 2007 رفقة افرادها الثمانية ومنذ ذلك الوقت لم نتلق عنها أي خبر، قال احد جيرانها بعد كارثة الدمار التي طالت مأواها ذو مساحة مقدرة بنحو 180 متر مربع.. يسترسل آخر ليتحدث وبنبرة حادة، 15 عائلة متضررة ستلقى نفس مصير هؤلاء وقائمة الخسائر البشرية مفتوحة في ظل تفاقم وضع اساسات البنايات يوميا وستتحمل وقتها يضيف بلدية المحمدية لوحدها ماقد ينجم من خطورة تصعيد الوضع الذي سنفجره نحن ابناء الحي للضغط على الوصاية لتتخذ الإجراءات الاستعجالية لحماية المواطنيين من هذا الخطر المداهم لمدة 8 سنوات، قال المتحدثون مشيرين في نفس السياق أن لغة الاحتجاج السلمي لم توصل إلى اتفاق مع المسؤوليين بعد المشادات الكلامية العنيفة الحاصلة مؤخرا بين قاطني الحي ومصالح الدائرة الادارية للدار البيضاء عقب كارثة الدمار انتهت بنسب تهمة الاعتداء على املاك الدولة للشباب المحتج، زيادة عن دفعهم غرامة مالية. من مخطط التنوع البيئي... إلى مجمع التلوث البحري ونحن نجول بين أرجاء الليدو في طريق العودة، تخطينا قناة مجمع المياه القذرة للعبور بضخامة قذارتها المتصلة مباشرة بمياه البحر... حطينا الرحال مرة اخرى بالمكان للاستفسار عن الوضع المتعفن الذي تشمئز له الأنظار حقا، زيادة على حالة البنايات المنهارة بالموقع، إذ كشف في ذات الشأن مرشدونا أن القناة الجامعة لشبكات الصرف الصحي لإحياء تاماراس الموز سوريكال ببلديات مقاطعة الدارالبيضاء لازالت تصب اطنان القذارة مباشرة في قاع البحرمنذ نحو 30 سنة (بداية الثمانينات)، مما زاد الوضع تعقيدا -أضافوا- رغم إطلاق السلطات المحلية برنامج يتضمن محطات معالجة وتطهير المياه المستعملة -تحلية مياه البحر- لوضع حد لظاهرة التلوث البحري فضلا عن مشاريع حماية الساحل والتنوع البيولوجي مع مخطط تهيئة الشاطى الهادف إلى الحماية والاستعمال العقلاني والدائم لموارد الشواطى في الجزائر العاصمة، إلا أن هذه المشاريع الضخمة، قال أبناء الحي لم نر نور تجسيدها بعد على أرض الواقع والدليل على ذلك اتساع رقعة المجمع السوداء بشاطئ الليدو الذي ساعد على استفحال ظاهرة التلوث البحري بنسبة 80 بالمئة مما بات يهدد الثروة السمكية لبلادنا ويشكل خطرا كبيرا على الموارد الهامة للبحر الأبيض المتوسط. كما أبرز محدثونا في سياق متصل أن الميزانية المخصصة لمشروع إعادة توجيه القناة الذي تحدث عنه المسؤولون المحليون في عهداتهم السابقة، التهمت أموالها دون استكمال المشروع بعدما تم تشخيص الوحدة الملوثة من قبل مصالح بلدية المحمدية قصد تحويلها إلى موقع آخر منذ سنة 1998 إلا أن الأشغال توقفت بعد لأسباب مجهولة وتم تغطية الحفر من جديد لمحو آثار المشروع الطموح، يقول السكان. استدعاءات مزيفة... وبرنامج الإسكان مبني على حسابات الرشوة وعن مشاريع السكن المدرجة ضمن حي الليدو، أكد قاطنوه أن العائلات المتضررة بالفعل أقصيت طيلة العهدات السابقة من عدة برامج سكنية منها برنامج 138 وحدة سكنية اجتماعية سنة 1998 وحصة بومعطي لعام 2005 اضافة إلى قائمة المستفيديين من برنامج 800 مسكن بحي مختار زرهوني بالمحمدية، الذي احدث ضجة إعلامية مؤخرا وسط العائلات المقصاة، حول طريقة توزيع سكناتها على المستفيديين غير الشرعيين حسب ما أعرب عنه المتحدثون، مشيرين في الوقت ذاته إلى .خلفيات. مشاريع السكن التساهمي التي بنيت على فاتورة الرشوة واعتبارات شخصية من اجل الاستفادة من البرنامج على حساب المتضررين الحقيقيين بالحي، رغم إيداعهم ملفات السكن منذ امد بعيد ووعود المسؤوليين بترحيلهم إلى سكنات آمنة في اقرب الآجال وفق اعتماد مقاييس الأولوية للإسكان إلا أن هذه المعايير -يضيف السكان- لم تحترم سيما من قبل منتخبي بلدية المحمدية في هذه العهدة، بدليل إدراج بنت أحد الأعضاء ضمن قائمة المستفيديين من المشروع التساهمي بحي تامراس -حسب شهادات محلية للبلاد- حيث اكدت عائلة ي.ق في هذا الصدد أنها تلقت سنة 1994 استدعاءات مزيفة للحصول على قطع أرضية لتتفاجأ بعدها بأنها عبارة عن وثائق لا معنى لها لدى المجلس الشعبي البلدي للمحمدية، على غرار باقي العائلات الأخرى القاطنة بالحي.. الوضع الذي طرح عدة استفسارات لم يجد لها المتضررون من مبررات مقنعة. هذا وقد حاولت البلاد الاتصال بمسؤولي المجلس الشعبي البلدي للمحمدية بغية تقديم إيضاحات حول وضعية سكان حي الليدو بشارع المقراني، إلا أنه تعذر علينا ذلك. ورغم مساعي الدولة الجزائرية في تحقيق التنمية المستدامة، إلا أن الجهود لازالت ضعيفة على مستوى تهيئة الاقليم باعتباره ملك لكل الأجيال وهذا ما كشف عنه مؤشر المناطق الساحلية بقلب العاصمة، مما بات يستدعي البحث عن استراتيجية اخرى في مجال تنمية الاقليم الوطني بدءا بتقليص الملوثات وحماية الأنظمة البيئية لحماية المواطنيين.