تعيش قرية لمقاربة ببلدية حربيل خارج مجال التغطية بعد أن أدارت لها السلطات المحلية ظهرها؛خاصة وأنها من المناطق التي اكتوت بجمر العشرية السوداء التي جعلتها تدفع الثمن غاليا لوقوعها في منطقة جبلية غابية نائية عشش فيها الفقر والتخلف زادته همجية الدمويين خرابا ودمارا أتى على الأخضر واليابس وزهق أرواحا بقرية لمقاربة على وجه الخصوص، التي أجبر سكانها على الهجرة نحو كل الاتجاهات بحثا عن الطمأنينة والآمان. وتعد قرية ''لمقاربة'' التابعة إداريا لبلدية حربيل بدائرة قنزات، التي تبعد حوالي 80 كلم شمال عاصمة ولاية سطيف، من بين المناطق التي صنفت في وقت غير بعيد ضمن مثلث الموت ''بابور، قنزات، بني عزيز''، حيث عانى سكانها الأمرين من قبل الدمويين خلال العشرية السوداء، الأمر الذي أجبرهم على هجرة المنطقة نحو مدن بوفاعة وسطيف وبرج بوعريريج والجزائر العاصمة هروبا من الموت وبطش الإرهاب، تاركين وراءهم كل ما يمتلكونه من بنايات وأراضي فلاحية ومئات الهكتارات من أشجار الزيتون التي تعتبر مصدر رزق سكان هذه القرية الفلاحية، وظلت قرية ''لمقاربة'' على هذا الوجه منطقة مهجورة تماما من الصعب جدا الدخول إليها طيلة سنوات الجمر ولو كان ذلك في وضح النهار، بعدما كانت في وقت سابق عبارة عن فردوس لما تتميز به من بيئة ساحرة. غير أن الزائر اليوم إلى قرية لمقاربة، يلاحظ بشكل جلي التغير الشبه كلي لهذه المنطقة التي أضحت بين عشية وضحاها، أرضا جرداء مهجورة تماما تحولت معظم بناياتها إلى أطلال، حتى المسجد الوحيد بالقرية أصبح عبارة عن خراب ولم يعد يشبه مكانا للعبادة، قرية لمقاربة التي كانت تحصي أزيد من مائة عائلة، لم يبق بها اليوم سوى عائلتين ممن فرضت عليهم الظروف الاجتماعية البقاء هناك بالرغم من المضايقات والمساومات وأنواع الترهيب الذي تعرضوا له وسلب للأملاك، عوامل أقل ما يقال عنها أنها صعبة جدا غير أن ذلك لم يفقد أصحابها الأمل في بزوغ شمس الآمان والاطمئنان تبعث معها الحياة من جديد، مؤمنين بشيء وحيد أن اليوم الذي ستستأصل فيه جذور الإرهاب أتي لا محالة آجلا أم عاجلا. لكن ما لم يكن يتوقعه سكان لمقاربة، سواء ممن هاجرها أو من بقي بها، هو ما تشهده المنطقة اليوم بعد استتباب الأمن وعودة الحياة بها، فبعدما ذهبت سنوات الإرهاب أطلت سنوات الحفرة والتهميش من قبل المنتخبين المحليين والمسؤولين على حد سواء، عزلة تامة ونسيان كلي جعلت المنطقة خارجة عن مجال التغطية وحولت يوميات سكانها إلى معيشة ضنك عزلة عادت بذاكرة السكان إلى الحقبة الاستعمارية، سنوات بيوت الطين، والتنقل على الحمير، والاعتماد على المنابع الطبيعية للتزود بالماء الشروب في ظل انعدام شبكة للمياه الصالحة للشرب، والاحتطاب للتدفئة وما شبه ذلك من الظروف الصعبة التي ميزت يوميات الشعب الجزائري أيام الاحتلال الفرنسي. معاناة سكان قرية لمقاربة لم تتوقف عند حد انعدام المياه الشروب، فالمنطقة التي تقع على بعد قرابة سبع كيلومترات عن مقر البلدية حربيل لا يعرفها المنتخبون سوى خلال الحملات الانتخابية، يصعب الوصول إليها لانعدام طريق لائق، فالطريق الوحيد المؤدي إلى لمقاربة يعود إلى أزيد من ثلاثين سنة مرت، هو عبارة عن مسلك ترابي يصعب سلكه لاسيما في فصل الشتاء، هذا العامل انعكس سلبا على المواصلات التي تنعدم تماما بالمنطقة، حيث يجبر البعض من ميسوري الحال إلى قطع هذه المسافة سيرا على الأقدام، للوصول إلى مركز البلدية لاقتناء علبة كبريت، أمام انعدام دكان أو حتى كشك بالقرية. والحديث على الصحة بقرية لمقاربة أمر سابق لأوانه، كون المنطقة تفتقر لأي هيكل مرتبط بقطاع الصحة، حيث يجبر سكان القرية إلى نقل مرضاهم إلى المناطق المجاورة بقطع مسافات طويلة لتلقي العلاج، وفي بعض الأحيان، حسب ما أكده لنا سكان القرية، لا زالت النساء تلدن في البيوت على الطريقة التقليدية.