وأنت تدخل ما تبقى من الحي القصديري ''محمودي محمد'' ببلدية براقي أو ''كابول'' كما يحلو لسكانه تسميته، تستحضرك صور الفلسطينيين المهجرين عام النكبة أو حتى لاجئين خلفتهم كارثة طبيعية أو حرب أهلية بلا سقف يؤويهم ولا جدران تحميهم من قساوة الشارع. لكن منكوبي حي ''كابول'' برغم تقاسمهم ذات الوضعية مع هؤلاء إلا أن أسباب تحول حالهم إلى تلك الوضعية البائسة هو جرافات دائرة براقي التي هدمت سكناتهم القصديرية التي آوتهم لسنوات طويلة وجعلت بين عشية وضحاها بلا جدران تلم شعث عائلاتهم بعدما ظنوا أن الفرج قد حل بهم صبيحة الثلاثاء الماضي عندما أبلغوا بموعد ترحيلهم إلى سكنات جديدة بحي الميهوب، لكن الترحيل جاء ولم يشملهم. هكذا تحول حلم 57 عائلة قاطنة بالحي القصديري لبراقي إلى كابوس مفزع لم يستفيقوا منه إلا وهم في العراء وسط الجرذان والنفايات وبقايا بيوتهم المهدمة، عجائز ونساء أرامل وصبيان لا يستر عوراتهم سوى قطع قماش تحجب عنهم نظرة المار لصورة يتقطع الفؤاد من قساوتها. ''البلاد'' تنقلت إلى العائلة المنكوبة بحي كابول أول أمس، حيث قابلتنا وجوه لسعتها أشعة الشمس الحارقة، ورغم ضيق الخاطر وهول المصيبة فقد استجمعوا بعضا من قواهم ليحدثونا عن مأساتهم وتعاستهم. هي عجوز في السبعين وأرملة شهيد، فتحت لنا ''بيتها'' الذي لا يعدو أن يكون كومة من الخردة تلفها أقمشة مهلهلة وحصيرا متهالكا وضع على الأرض، تحدثت معنا بصعوبة والدموع تنزل من عينها، قائلة ''على آخر عمري يحصل لي هذا وأنا أرملة شهيد جاد بنفسه من أجل الجزائر''، وواصلت حديثها وهي في حالة ذهول وانكسار ''حرام عليهم عليهم ما فعلوه بنا أين سنذهب الآن..''. وإن كانت العجوز قد استطاعت الكلام والتعبير عن حزنها ومصيبتها، فالصمت لازم أغلبية النسوة اللائي فتحن ملاجئهن أمامنا. رجال الحي الذي تجمعوا حولنا والغضب باد على وجهوهم مما اعتبروه ''إقصاء'' مقصودا قد طالهم من قبل دائرة براقي على الرغم من أنهم يملكون الحق في الحصول على مثلما وعد به رئيس الجمهورية كافة سكان البيوت القصديرية، وأكدوا أنه جرى ترحيل 125 عائلة من أصل 182 المتواجدة بالحي، على الرغم من أن السلطات المحلية أبلغتهم في وقت سابق أن كل العائلات معنية بقرار الترحيل. وتتهم العائلة المذكورة مسؤولي دائرة براقي بإخلافهم وعودا كانوا قد قطعوها أمام جميع قاطني حي ''كابل''، لكنهم وحسب تصريحاتهم قاموا بممارسة المحسوبية في توزيع السكنات وترحيل السكان، مشيرين إلى أن عمارات حي ميوهب الجديدة مازالت تضم شققا فارغة، اتهموا المسؤولين بأنهم أبقوها شاغرة لتوزيعها فيما بعد على معارفهم وأقاربهم. وأكدت كل العائلات التي تحدثت إليها ''البلاد'' أنهم سكنوا بهذا الحي القصديري منذ عام ,''1994 وهو ما يفسر حيازة عدد كبير منهم على وثائق إقامة ووصل إحصاء سنة ,1998 إضافة إلى فواتير الكهرباء والماء. وقد حاولنا الاتصال بالوالي المنتدب لدائرة براقي الإدارية، للاستفسار في الموضوع إلا أنه تعذر علينا ذلك، أنه لم تتح أمامنا فرصة اللقاء برئيس البلدية بحجة أنه كان يعقد اجتماعا مع أعضاء مجلسه.