في خرجة استطلاعية قادت ''البلاد'' إلى شوارع العاصمة حاولنا من خلالها تقصي آراء وانطباعات المواطنين حول المردود الذي قدمه الخضر في خرجتهم الثانية في المونديال الإفريقي أمام انجلترا، وإن تعددت الآراء وتنوعت، إلا أنها اجتمعت على حقيقة أن الأداء الرجولي لرفقاء عنتر يحيى كان بمثابة الرد الحازم على جميع المشككين في إمكانيات ''محاربي الصحراء''. فرحة مشوبة بالحذر تسود الشارع العاصمي انقسم المشجعون بعد هزيمة ''الخضر'' القاسية أمام الفريق السلوفيني بهدف يتيم دون مقابل، إلى متفائل بإمكانية الاستدراك وتعويض الخسارة في المقابلات المتبقية، ومتشائم من المصير المجهول الذي ينتظر أشبال سعدان أمام أهم المرشحين للظفر باللقب العالمي منتخب انجلترا. من هؤلاء ''المتشائمين'' شاب في مقتبل العمر بمجرد معرفته لهويتنا، انطلق في سرد الأسباب التي دفعته إلى أن يفقد الأمل بتحقيق أي نتيجة إيجابية، معزيا ذلك إلى العثرات المتكررة التي تكبدها الفريق الوطني في مبارياته التحضيرية لكاس العالم، وهو -حسب المتحدث- نتيجة منطقية لغياب هداف حقيقي في تشكيلة الناخب الوطني يحسن جيدا استغلال الفرص الضئيلة التي تتاح للخضر، وكذا الخطة الدفاعية لأصدقاء زياني التي أصبحت العنوان الأبرز لتكتيك الناخب الوطني رابح سعدان في جميع المباريات، وهو ما حرم الخضر من لذة الفوز في كثير من المرات. وحتى النساء أصبحن يدلين بدلوهن في جميع القضايا الكروية، التي كانت حتى وقت قريب حكرا على الرجال، حيث لم يخفين تشاؤمهن من المواجهة الكروية أمام فريق ''الأسود الثلاثة''، وفي هذا الشأن صرحت لنا شابة تعمل كبائعة بإحدى المحلات، أنها قبل المباراة لم تكن تثق مطلقا في إمكانيات أشبال سعدان، فإفراطنا في تضخيم من شأنهم -حسب المتحدثة- جعل منهم وفي كثير من المناسبات لا يبلون البلاء الحسن الذي كنا ننتظره منهم، فخرجات ''الخضر'' في المقابلات التحضيرية كانت أصدق صورة عن المستوى المهزوز للخضر. في الجهة الأخرى، ساد انطباع لدى السواد الأعظم من المستجوبين أن ''الخضر'' هم رجال المهام الصعبة وأن المستحيل ليس من المصطلحات المتداولة لدى كتيبة شيخ المدربين، وعلى هذا الأساس صرحت لنا عجوز، يظهر على محياها ملامح الرزانة والحكمة، أنها ورغم كونها بعيدة كل البعد عن عالم الكرة إلا أنها كانت واثقة من تحقيق نتيجة إيجابية تعيد للجزائريين اعتبارهم في هذا المحفل الكروي، كيف لا وهم أشبال ''أسود نوفمبر'' الذين رسموا تاريخهم بالدم والنار أمام اعتى قوة آنذاك. أما رجل آخر وهو في عقده السادس، فقد عبر لنا عن تفاؤله المطلق قبل المباراة، على اعتبار أن عقلية الجزائري لا تؤمن بالضعف، فأبناء نوفمبر- كما يقول محدثنا- لا يظهرون على حقيقتهم إلا مع الكبار، فالضغط الكبير الذي مورس على اللاعبين والطاقم الفني على حد سواء كفيل بدفع ''ثعالب الصحراء'' للإجهاز على ''الأسود الثلاث''. من جهته عبر لنا أحد الشبان المتحمسين ل''محاربي الصحراء'' عن إيمانه الراسخ في أن ''الافناك'' قادرون على الرد على استهزاءات اللاعبين الانجليز وهو دافع -حسب المتحدث- لشحن الهمم واللعب بروح ''أم درمان'' للثأر لكرامتهم. وعن الكيفية التي شاهد بها الجزائريون المباراة، فقد ساد ارتياح كبير بين المشجعين بمجرد إعلان التشكيلة الأساسية التي ستخوض غمار هذه المغامرة، خصوصا مع الزج بالوافد الجديد بودبوز، حيث علق الكثير من عشاق الخضر آمالا كبيرة عليه، بالإضافة إلى مبولحي الذي قدم عرضا محترما خلال الدقائق القليلة التي لعبها أمام ايرلندا• ومن الطرائف التي واجهنا في هذه المهمة الصحفية هي التعاليق الساخرة التي طالت بعض عناصر التشكيلة الوطنية ، وعلى وجه الخصوص اللاعب غزال الذي صار محل نقمة لدى شريحة معتبرة من الشباب، وذلك بعد الوجه المخيب للآمال الذي ظهر به في الحرجة الأولى للخضر. احتفال محتشم في انتظار مواجهة الأمريكان وإن كان المنتخب الوطني لم يفز بالمباراة ولم يحصد النقاط الثلاث، إلا أن الشارع الجزائري احتفل بالتعادل الذي كان بطعم الانتصار بالنسبة لمناصري الخضر على اختلاف فئاتهم، وذلك بالنظر إلى حجم المنتخب الإنجليزي المدجج بالنجوم أمثال روني وجيرارد وكذا حنكة مدربهم كابيلو، وعلى حد قول أحد الشباب الذين سألناه عن سر الأجواء الاحتفالية التي صنعها المشجعون عقب نهاية المقابلة، فقال إن مجرد إبقاء شباك محاربي الصحراء نظيفا أمام أحد أكبر عمالقة الكرة العالمية واضطرار هداف الأسود الثلاثة واين روني إلى حد شد قميص صخرة دفاع الخضر مجيد بوفرة للظفر ولو بمحاولة للتهديف بعد أن فشل في ذلك مرات عديدة يعتبر انتصارا لنا وتأكيدا من أشبال سعدان على أحقيتهم بالمونديال وأنهم من طينة الكبار واستبسالهم بتلك الطريقة على البساط الأخضر كان كافيا لبعث الروح فينا من جديد ونيل رضانا. وأشارت إحدى السيدات إلى أن الشباب والشعب الجزائري بأكمله يحتاج إلى فرحة مونديالية حتى لو كانت تعادلا ليطلق العنان لصيحاته وأهازيجه والترويح عن الضغط الذي يعيشه يوميا. وقد اتفق جميع من تحدثنا معهم عن انطباعهم حول أداء الخضر والوجه الذي ظهروا به على مدار 93 دقيقة على أنهم انبهروا بالمستوى العالي الذي قدمه سفير العرب إلى بلاد منديلا وكذا الطريقة الاحترافية التي لعب بها، وأشاروا إلى أنهم أخيرا استرجعوا الفريق الذي عشقوه وناصروه دوما مؤكدين على أن ما يطالب به الأنصار هو الظهور بوجه مشرف بغض النظر عن النتيجة المسجلة بالرغم من تمنيهم رؤية أهداف للمنتخب الوطني عن قريب. وعن اللاعب الذي حاز على لقب رجل المباراة في الفريق الوطني فتفاوتت آراء المناصرين بين منبهر بلاعب سوشو الواعد بودبوز ومعجب بقوة وبسالة دفاع الخضر على رأسهم بوفرة فيما ملك يبدة قلوب الأغلبية ممن التقيناهم مع إجماعهم على كفاءة الحارس مبولحي. الأطفال لم يكونوا في منأى عن هذا الحدث الكروي، حيث أبدوا فرحتهم بفوز الجزائر على حد قول أحدهم والذي أخبرنا أنه خرج للاحتفال مع والده وهتف بحياة الجزائر. فيما أخبرنا الآخر أنه لم يخرج للاحتفال على غرار مافعله بعد الفوز على مصر في أم درمان وقد أرجأ الاحتفال لحين الانتصار على المنتخب الأمريكي والتأهل للدور الثاني. الخضر فكوا كبت العشرية السوداء وعن الدلالات النفسية والاجتماعية لخروج الجماهير الجزائرية للاحتفال بهذا التعادل، اتصلت ''البلاد'' بالدكتور يوسف حنطابلي، أستاذ علم الإجماع بجامعة سعد حلب بالبليدة، الذي رأى أن الفرحة العارمة التي انتابت الجماهير هي من جهة، فعل اجتماعي يتم التعبير عنه بطريقة جماعية، إذ لا يمكن أن يتم الاحتفال بطريقة فردية، ومن جهة أخرى، هي نوع من استرجاع للحس الوطني الذي افتقده الجزائريون جراء العشرية السوداء التي عصفت بالجزائر، فلو قورنت فرحة انتصار الفريق الوطني أثناء سنوات الثمانينات لوجدناها تختلف تماما عن ما يحدث حاليا. كونها كانت امتدادا للانتصارات الوطنية آنذاك وعلى رأسها فرحة الاستقلال، فالشعب الجزائري الآن يشعر باسترجاع ''الضمير الجماعي'' الذي جرح بسبب ما وقع في الجزائر، حيث جاءت الفرصة بنتائج ''الخضر'' الإيجابية للإفصاح عن هذا الانتماء، فهذه الفرحة من الناحية السوسيولوجية هي تعبير عن المكبوت وعن الفرحة الجماعية المفقودة، وبذلك تعبر عن الاعتزاز بالانتماء للوطن، وهو ما ظهر جليا مع الجالية الجزائرية في المهجر التي صارت فخورة بانتمائها للجزائر عبر الاحتفالات التي تقام بعد كل انتصار يحققه ''الخضر'' فتجد الآن كل جزائري يقول لك أنا جزائري وفخور بانتمائي للجزائر.