الطيب لوح: "قانون العقوبات لبنة جديدة للمنظومة التشريعية لمكافحة الجريمة وحماية الحريات" حظي، أمس، مضمون النص المعدل والمتمم لقانون العقوبات الجزائري بمصادقة نواب المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية، حيث شدد على ضرورة تفعيل عقوبة الإعدام، فيما رفض التعديلات التي أتى بها نواب أحزاب المعارضة. وقد رفض المجلس الشعبي الوطني، التعديلات المقترحة والإغراءات التي تقدم بها نواب كل من حزب العمال، تكتل الجزائر الخضراء وجبهة العدالة والتنمية، الذين امتنعوا عن التصويت لصالح القانون المعدل، فيما تبنى التعديلات التي جاء بها كل من نواب الأفلان والأرندي، الأحرار والحركة الشعبية الذين صادقوا بالأغلبية أمام امتناع الأفافاس. ويندرج قانون العقوبات المصادق عليه في إطار مواصلة مطابقة أحكام قانون العقوبات مع المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجزائر، وذلك عن طريق إدراج أحكام جديدة ترمي إلى توفير حماية جزائية أفضل للحقوق والحريات. ويهدف هذا القانون الذي شدد في عقابه بشأن حكم الإعدام إلى التصدي إلى بعض أشكال الإجرام الذي يستهدف القصر، كما يهدف إلى نبذ العنصرية والكراهية في مجتمعنا وتعزيز الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب. كما تضمن سبل تعزيز الحماية الجزائية للأطفال من خلال تجريم بعض أشكال الإجرام الخطيرة الذي باتت تستهدفهم، لاسيما الإختطاف والمتاجرة بالأطفال واستغلالهم في التسول وفي المواد الإباحية، إذ تنص في هذا الشأن المادة 293 مكرر المعدلة على أن كل من يخطف أو يحاول خطف شخص عن طريق العنف أو التهديد أو الاستدراج يعاقب بالسجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 سنة وبغرامة من مليون إلى 2 مليون دج، بعدما كانت أقصى العقوبة محددة في وقت سابق من سنة إلى 5 سنوات، كما تعاقب نفس المادة الفاعل بالسجن المؤبد إذا تعرض الشخص المخطوف إلى تعذيب أو عنف جنسي أو إذا كان الدافع إلى الخطف هو تسديد فدية أو تنفيذ شرط أو أمر، كما تطبق على الفاعل نفس العقوبة إذا أدى الخطف إلى وفاة الشخص المخطوف، فيما لا يستفيد الجاني من ظروف التخفيف المنصوص عليها في هذا القانون. إلى جانب ذلك، فقد تضمن القانون نصوص تشديد العقوبة بالنسبة إلى بعض الجرائم الأخرى من خلال مراجعة الأحكام المتعلقة بجريمة هتك العرض وتحريض القصّر على الفسق والدعارة، كما تتجسد هذه الحماية من خلال إقرار سنّ دنيا للمسؤولية الجزائية ب10 سنوات، حيث يكون الأطفال دون هذا السن غير مسؤولين جزائيا ولا يمثلون بذلك أمام القضاء. كما نص قانون العقوبات المصادق عليه، على تعزيز الأحكام المتعلقة بمكافحة الإرهاب من خلال توسيع دائرة الأفعال الإرهابية، لاسيما بما تعلق بأفعال تحويل الطائرات أو السفن أو أية وسيلة أخرى من وسائل النقل وإتلاف منشآت الملاحة الجوية والبحرية أو البرية وتخريب أو إتلاف وسائل الاتصال واحتجاز الرهائن. كما يحظى هذا القانون بتدعيم حقوق الإنسان وحمايتها بما يتعلق بتجريم التمييز وإقرار حماية جزائية لضحايا هذه الجريمة وتدعيم الأحكام المنصوص عليها في المنظومة القانونية التي تكرس المساواة وتنبذ الكراهية مهما كان مصدرهما. وقد حظيت التدابير الواردة في مشروع قانون العقوبات المصادق عليه بنقاش نواب الغرفة السفلى بعد اقتراح 38 تعديلا في مقدمتها إلغاء تنفيذ حكم الإعدام وهو ما تمسك به نواب حزب العمال إذ اعتبره، جلول جودي، منافيا لحقوق الإنسان، حيث شدد في تدخله على ضرورة تبني حلول ديموقراطية مبنية على الحوار تشمل جميع المجالات وذلك لعدة اعتبارات، موضحا أن تنفيذ الحكم بالإعدام أمر لا يمكن تداركه كما لا يمكن المواصلة في تطبيقه بحكم أنه قانون وضعي يأخذ بمبدأ النية، كما أن تنفيذه لن يقلل من الجريمة وهو ينطلق من مبدأ الحق في الحياة، وبهذا الخصوص، اقترح نواب حزب العمال السعي لإيجاد حلول كفيلة من شأنها التخفيف من حدة الجريمة باتخاذ عقوبات تخضع للمنطق القانوني والمنطقي، متمسكين باستبدال الحكم بالإعدام بالسجن المؤبد دون إخضاع الجاني لعقوبة مخففة. وفي سياق آخر، تم اقتراح بعض النواب لإلغاء إعفاء عقاب الأم المتسولة بأبنائها القصر التي ثبتت وضعيتها الاجتماعية الصعبة، إلى جانب إلغاء تدابير التخفيف عن الخاطفين الذين يتراجعون عن أفعالهم واقتراح تشديد العقوبات في حالة اختطاف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة وإدراج بعض التعديلات التي تمس بالسلامة الجسدية والمعنوية للأطفال. من جهته أكد وزير العدل حافظ الأختام، أن المصادقة على قانون العقوبات المعدل هو إضافة لبنة جديدة للمنظومة التشريعية في إطار مكافحة الجريمة وحماية الحقوق والحريات ببلادنا، وهو ما سيكون له، على حد قوله، موقعا مميزا للظواهر التي يتصدى لها خاصة الظاهرة التي عرفها ويعرفها المجتمع الجزائري والتي أثارت الكثير من الجدل وسط المجتمع الجزائري، منها ظاهرة اختطاف الأطفال التي كان لا بد على الحكومة أن تأتي بمشروع هذا القانون لمكافحة الظاهرة وتشديد العقوبة في حق الجناة، في إطار التحضير لمشروع حماية الطفل حتى يكون الترسانة القانونية للمنظومة التشريعية الوطنية لحماية الطفل متكاملة من جميع جوانبها ردعية ووقائية. كما نوه الوزير بتشديد القانون لجريمة التسول بالأطفال وهو ما اعتبره إثراء إيجابيا لهذا المشروع المقنن، إلى جانب ما أتى به من تجريم للتمييز الذي يعد مبدأ واردا في الدستور الجزائري. أما فيما تعلق بجانب مكافحة الإرهاب قال وزير العدل إن التعديلات جاءت لتعزز دور الجزائر وتعاونها الدولي في إطار محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة لتكيف مع باقي الاتفاقيات من أجل محاربة الجريمة بشتى أنواعها، مؤكدا أن هذا القانون جاء ليساهم في دعم الحريات الفردية والجماعية لتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة ظاهرة الإجرام.