فيما بدأ العد التنازلي للانتخابات الرئاسية المنتظرة في 17 افريل المقبل، والشروع في إجراءات الترشح لخوض غمارها من طرف الشخصيات الثقيلة، لا يزال التيار الإسلامي يعيش على الجمود نفسه الذي عرفه منذ شهور، ففي الوقت الذي قارب عدد من سحبوا استمارات جمع التوقيعات الثلاثين شخصا تباينوا بين مستقل وآخر محسوب على التيار الوطني لا يوجد بينهم من ينتمي إلى التيار الإسلامي الذي لم يغب عن انتخابات الرئاسة بالجزائر منذ بداية عهد التعددية السياسية في الجزائر. ولا يتفاجأ المتأمل في تطورات "خريطة التيار الإسلامي" خلال السنوات الأخيرة حصول هذا التململ الذي كان نتيجة الانقسام والتشتت إلى أحزاب متعددة بعدما كانت ممثلة بحزبين أو ثلاثة على الأكثر، وحتى الأحزاب الجديدة لم تسلم من الخلافات الداخلية ولا تزال تعيش على وقع هزات كثيرة بسبب طموح القيادة وصراع المحاور. غير أن اكبر سبب في انكفاء تيار الإسلام السياسي في الجزائر هو نتائج آخر انتخابات التشريعية ومحلية جرت مؤخرا، فحتى مع اتهامهم السلطة ب "التزوير"، إلا أنها خيبت الآمال العريضة لأحزابه، فالحصيلة كانت ضئيلة جدا ولا تقارن أمام التوقعات الكبيرة في خضم صعود كبير للاسلاميين وخاصة تيار الاخوان بعد موجة ما يعرف ب "الربيع العربي" في كل من مصر وتونس التي اكتسحوا فيها السلطة التشريعية ووصلوا إلى الرئاسة في مصر عند أول انتخابات ديمقراطية شهدتها البلاد، مما جعل إسلاميي الجزائر يبنون الآمال العريضة من نجاح نظرائهم على التونسيين والمصريين. وفي غمرة "نشوة التيار الإسلامي " بما رأى فيه "عودته القوية على الساحة العربية"، جاء الانقلاب العسكري الذي حصل في القاهرة شهر جويلية الماضي ليطيح بالرئيس الاخواني محمد مرسي ليعود الإسلاميون إلى المربع الأول، حيث تحول بينهم وبين السلطة الكثير من العقبات التي لا تزال موجودة ولم يتمكن "الربيع العربي" من إزالتها الأمر الذي جعلها تدخل في حالة ارتباك كبير وهي ترى حلمها في ركوب موجة صعود الاسلاميين لبلوغ السلطة يتبخر. لكن أكبر مشكل في عدم التوصل إلى مرشح توافقي للحصول على الوعاء الانتخابي للتيار، هو الخلافات الكبيرة بين أحزابه التي لم تتجاوز قياداته خلافاتها القديمة التي أدت إلى التشتت والانقسام، فكل حزب يريد أن يكون هذا المرشح التوافقي منتميا إليه، مما يعني أن أهم ما يريده كل طرف هو "القيادة" التي جعلت التوافق يتراجع ويفشل رغم المساعي التي كانت تريد الوصول إلى كلمة سواء بينهم. ويضاف إلى هذا "الوهن السياسي" لأحزاب التيار الإسلامي في الجزائر، المشاكل التي تعانيها قاطرته المتمثلة في حركة مجتمع السلم، وهي أكبر حزب ينتمي اليه من حيث القاعدة والمنتخبين والتي لا تزال فيما يبدو تعيش مرحلة انتقالية حبلى بالأحداث والتجاذبات الداخلية بين الاتجاه المعارض الذي بدأه رئيس الحركة الجديد عبد الرزاق مقري، وارث التحالف الرئاسي الذي كان عضوا فيه زمن الرئيس السابق للحركة أبوجرة سلطاني، الأمر الذي أسس لانقسام بين قيادات وهياكل حمس حول الموقف المبدئي من رئاسيات 2014. فحتى وإن كان التيار الغالب في حركة الراحل محفوظ نحناح يبدو أنه تيار المعارضة، إلا أن هذا لن ينأى بها عن التجاذب مجددا في حالة رغبتها إعلان مترشح عنها، ومرة أخرى بين مقري وسلطاني، حيث تحدثت الكثير من المصادر عند انتخاب رئيس الحركة الجديد العام الماضي أن اتفاقا حصل بتقاسم رئاسة الحركة والحصول على ترشيحها للرئاسيات بين الرجلين، لكن هذه المسألة عادت إلى الواجهة مع ظهور رغبة مقري في أن يكون "فارس حمس" في سباق المرادية فيما يميل رأي أغلبية المناضلين إلى مقاطعة الاستحقاق أصلا. وفي خلاصة المشهد الإسلامي بعد بدء العد التنازلي للاستحقاقات الرئاسية، يبدو أن مسألة الوصول إلى مترشح توافقي يحتاج إلى معجزة كي يتحقق في ظل غياب بوادر توحي بحصول تقارب بين أحزاب جمعها الانتماء المبدئي للتيار الإسلامي وتفرقها الكثير من التفاصيل والاتجاهات، وما يمكن أن يملأ فراغ "المقعد الإسلامي" هو ترشح شخصية محسوبة عليه خارج التوافق، وهو ما سيكون مشاركة من أجل المشاركة وليس للمنافسة وهو ما يمكن أن يعيد خيبة الانتخابات المحلية والتشريعية بثوب رئاسي هذه المرة.