اختارت الأحزاب الإسلامية الجزائرية النظر إلى المستقبل من بوابة كسر قيود إكراهات الوقت التي باتت تحاصرها، في ظل تسارع التحولات على المستويات الداخلية والجهوية وحتى الخارجية·وعلى هذا المنوال، اختارت حركة مجتمع السلم موضوع الانفتاح والتحولات الدولية المستقبلية ليكون شعارا لجامعتها الصيفية نهاية هذا الشهر بولاية تلمسان·بينما رأت قيادة النهضة مناقشة موضوع الممارسة السياسية وتحديات المستقبل في حين اختارت حركة الإصلاح الوطني ثنائية الحركة الإسلامية ورهانات الأمة عنوانا لجامعتها الصيفية في العاصمة·جملة الشعارات التي وقعت في منظار الأحزاب الإسلامية بالجزائر تأتي لتؤكد على الأقل أنها عادت لتستشعر من جديد ثقل العبئ الملقى على كاهلها بعد سنوات التيه التي امتدت إلى ما بعد إسدال الستار عن الأزمة في الجزائر، وإن كانت معذورة في ذلك قبل أن تحقن الدماء في هذا البلد وهوما يعني على الأقل مجددا أن هذه الأحزاب تحاول من خلال المواضيع التي اختارت مناقشتها في جامعاتها الصيفية تفادي وقع صدمة تحولات وشيكة قد تقتحمها دون إعداد ولا استعداد·الانطلاقة هذه السنة أرادتها الأحزاب السياسية أن تكون محاولة أولى في مسار كسر قيود الإكراهات الموضوعية والذاتية الكبيرة التي باتت تحاصرها من كل جانب فأخلدتها إلى الأرض بعد عقدين من الممارسة تحت الأضواء الكاشفة للانفتاح السياسي في الجزائر· فالمواضيع التي ستعكف الأحزاب الإسلامية على مناقشتها هذا الصيف، إن لم تكن من قبيل الترف الفكري فإنها تعتبر مؤشرا على استفاقة من جهة وشجاعة من جهة أخرى على مواجهة الواقع داخل هذه الأحزاب وإعلان القطيعة مع منطق التراكمات الذي أضحى لديها تقليدا مكرسا مستصحبا من أدبيات وممارسات التأسيس، وعلى هذا الأساس تقاطعت رؤى الأحزاب الإسلامية في الجزائر عند نقاط الإكراهات والتحديات والرهانات وحتى والهموم، وإن اختار كل فصيل مبحثا خاصا ليكون محلا للنقاش· موضوع الانفتاح الذي اختارته حركة مجتمع السلم، هو أحد المواضيع المهمة التي يجدر بكل فصيل بحثه، من خلال تجاوز التساؤل التقليدي المتعلق بواجب الانفتاح على الآخر وطرح سؤال يتعلق بقدرة وأهلية هذه الأحزاب للانفتاح على الآخر وممارسة عملية الاستيعاب·أما محور الممارسة السياسية وتحديات المستقبل عند النهضة فهو الآخر من الأهمية بما يؤهله ليكون محل بحث عند باقي الفصائل الأخرى، خاصة إذا ما اقترن بحث الممارسة السياسية مع التحديات· وفي هذا الشأن يبدو أن بحث موضوع الممارسة السياسية أولى من النظر في التحديات المستقبلية، خاصة عند الأحزاب الإسلامية التي لازالت لم تحسم أمرها بعد ولم تفصل سواء على مستوى الأفكار أو على مستوى الإيدولوجيا ولا حتى على مستوى الممارسة بين طبيعة النشأة والتأسيس وبين الطبيعة القانونية، الأمر الذي يفسر إلى حد كبير وعلى سبيل التجاوز كثرة الممارسين والساسة وقلة السياسة· أما حركة الاصلاح الوطني فاختارت بحث موضوع الحركة الإسلامية ورهانات الأمة وذلك من زاوية إسهام التيار الإسلامي في تحقيق ذات الرهانات· وإن كانت الإصلاح قد تحررت من الكليشيهات المعروفة باقتحامها موضوع التنمية الشاملة والدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، بعدما كانت هذه الاهتمامات الغائب الأكبر لدى التيارات الإسلامية·