لفتت تصريحات عبد المالك سلال وعبد العزيز بلخادم وعمار سعيداني، بشأن تعديل الدستور بطريقة توافقية انتباه الملاحظين الذين رأوا في تلك التصريحات اعتراف صريح بمطالب المعارضة والقوى السياسية التي ظلت تدعو إلى مرحلة انتقالية ودستور توافقي بعيدا عن الغرف المغلقة والإقصاء والانفراد بالقرار السياسي، مع فارق طفيف وهو أن السلطة الراهنة لن تقبل بمجلس تأسيسي يعيد صياغة الدستور التوافقي، بل بمشاورات واسعة تنزع فتيل الاحتقان السياسي الذي تقوده عدة قوى سياسية أبرزها التيارين الديمقراطي والإسلامي والقوى المدنية التي بدأت تتبلور كحركات "بركات" التي بدأت ترسل إشارات سياسية قوية عن قبولها بقواعد اللعبة السياسية وفق أسس سلمية بعدما أصدرت بيانا تتبرأ فيه من أحداث العنف التي استهدفت أنصار المترشح بوتفليقة في بجاية وعدد من الصحافيين، وعلى الرغم من محدودية التجنيد والتغطية لتواجدها إلا أن نشاط "بركات" في هذا الظرف المشحون من شأنه أن يقلق السلطة ويزيد من التفاف الغاضبين على العهدة الرابعة من حولها، لذلك فإن تصريحات سلال وبلخادم وسعداني بشأن الدستور التوافقي وإعلان سلال عن مرحلة انتقالية في الآونة الأخيرة أو اعتبار العهدة القادمة انتقالية يشكل تراجعا للسلطة عن نزعتها السياسية الرافضة لأي تشاور مع المعارضة بشأن هذه المرحلة، وتعتبر أيضا رسالة الرئيس السابق ليامين زروال التي وجهها عشية "غضبة الشاوية"، مرجعية تم اعتمادها كمطلب سياسي من طرف قوى معارضة، وجدت الآذان الصاغية من لدن السلطة التي ترى أن الحراك القائم يتطلب إجابة عملية وحقيقية تتمحور حول فتح المجال واسعا للحريات، مثلما تتطلب تعبئة شعبية لاحتضان ورقة الطريق التي تعلن عنها السلطة وتروجها بواسطة ممثلي المترشح عبد العزيز بوتفليقة في التجمعات االشعبية داخل الجزائر وخارجها. دخول السلطة على خط المرحلة الانتقالية والدستور التوافقي هو في الحقيقة تراجع واضح عن امتناعها الصارم والحاد الذي ظلت تتمسك به، فهي قبل رئاسيات أفريل كانت تعتبر المرحلة الانتقالية ضربا "لإنجازاتها " طيلة 15 سنة، بل كانت تعتبر أن الحديث عن المرحلة الانتقالية عودة للوراء وهو قرار قد يزج بالبلاد في دوامة من العنف والتشنج، فماذا حدث حتى تراجعت السلطة عن موقفها؟ لا شك أن الضغط الذي مارسته المعارضة السياسية في البلاد طيلة أزيد من سنة على السلطة ثم بعد ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة، هذا الضغط يكون قد أجبر السلطة على مراجعة حساباتها تفاديا للتعفن، نظرا إلى الظروف الداخلية والخارجية الحرجة، وفي انتظار مرحلة ما بعد الرئاسيات من غير المستبعد أن تخفف المعارضة من أعباء الضغط الذي تمارسه في الميدان.