يمكن إدراج زيارة السيد براديب رامامورثي، المدير الرئيسي للالتزام العالمي في البيت الأبيض، إلى الجزائر ضمن إستراتيجية أمريكية تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف متكاملة: الهدف الأول تنشيط قطاع الأعمال المغاربي الأمريكي، ثانيا الحفاظ على الاستثمارات الأمريكية في مجال الطاقة، وثالثا العمل على تحسين صورة واشنطن لدى العالم الإسلامي. والهدف الأول ليس بجديد في السياسة الأمريكية تجاه منطقة المغرب العربي التي أرسى قواعدها ستيوارت إيزنستات في نهاية التسعينيات، حيث كرس رؤية لدى صانعي القرار في واشنطن بأن الاندماج المغاربي هو أفضل خيار للتعاون الأمريكي المغاربي لإنشاء منطقة للتبادل التجاري الحر، وهي الفكرة التي دعمها في المبادرة الأمريكية التي تحمل اسمه التي أطلقها في فترة إدارة بيل كلينتون بغرض تشكيل اندماج اقتصادي مماثل لتجمع دول جنوب شرق آسيا أو تكتل منطقة التبادل الحر لدول أمريكا الوسطى وجمهورية الدومينيك. وحسب التصور الذي طرحه إيزنستات فإن للاندماج المغاربي عدة منافع، من بينها تجاوز ضعف التبادل التجاري بين دول المغرب العربي التي تعد من أضعف النسب في العالم والتي لا تتجاوز 3 بالمائة من إجمالي تبادلاتها التجارية الخارجية. كما أن غياب الاندماج المغاربي سيعمق من البطالة المرتفعة خصوصا في أوساط الشباب في المدن الكبرى مما يزيد من مخاطر التهميش الذي يدفع للتطرف والإرهاب قد تنعكس آثاره على استقرار الحكومات المقربة من الغرب ويضعف من الاستثمار الأجنبي ويقلل من مداخيل السياحة. وفي النهاية فإن تصور وزير الخزانة الأمريكي السابق بالنسبة لمستقبل التعاون الأمريكي المغاربي مرتبط بتحسين الأوضاع الاقتصادية المغاربية من أجل إيجاد بيئة مستقرة وآمنة تسهل للمستثمرين الأمريكيين إقامة التعاون مع منطقة هي في تبعية شبه كلية للنفوذ الأوروبي، وهو تحدٍّ لا تخفيه واشنطن في فترة ما بعد نهاية الحرب الباردة بجعل شمال إفريقيا بوابة للقارة الإفريقية التي تمثل مصدرا للطاقة. فواشنطن تدرك أن دول شمال إفريقيا لاتزال في تبعية مطلقة لدول الاتحاد الأوروبي حيث تصدر تونس ما نسبته 75 بالمائة من منتجاتها للسوق الأوروبية، في الوقت الذي يساهم فيه الأوروبيون ب 83 بالمائة من عائدات السياحة التونسية و73 بالمائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة مصدرها أوروبا، وتمثل أوروبا كذلك 90 بالمائة من تحويلات المهاجرين التونسيين في الخارج، ونفس الاتجاه العام بالنسبة للمغرب مع أوروبا في الوقت الذي لا تتعدى فيه نسبة تبادلاته التجارية مع واشنطن 4 بالمائة بالرغم من توقيعها على اتفاقية التبادل الحر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبالرغم من هذا الإدراك الأمريكي لطبيعة العلاقات المغاربية الأوروبية فإن واشنطن تنتهج سياسة الخطوة خطوة مع دول المغرب العربي، حيث ضاعفت بثلاث مرات تبادلاتها التجارية مع الدول المغاربية الخمس في الفترة ما بين 2004 و,2008 لتتصاعد من 10 ملايير دولار إلى 29 مليار دولار، بفضل إذابة الجليد مع ليبيا بعد غياب قارب العشرين سنة، ليتضاعف حجم التبادل التجاري بين طرابلسوواشنطن ب 13 مرة في ظرف خمس سنوات. تصدر ليبيا النفط والغاز بنسبة 96 بالمائة وتستورد الحبوب والتجهيزات النفطية والطائرات المدنية. وفي الفترة الأخيرة، أضحت الجزائر الشريك التجاري الأول لواشنطن بحجم تبادل تجاري تجاوز 21 مليار دولار في سنة 2009 بينما لم يكن يتعدى 3 ملايير دولار في سنة ,1999 وتصدر الجزائر الطاقة بقيمة 20 مليار دولار ولا تستورد من واشنطن إلا ما قيمته مليار دولار، وبذلك أصبحت الجزائر تحتل المكانة الثانية كشريك تجاري لواشنطن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحتل الصدارة في منطقة المغرب العربي من حيث التبادل التجاري مع واشنطن بحيث تحوز على نسبة تتجاوز 70 بالمائة من إجمالي التبادلات التجارية الأمريكية، بينما لا تمثل ليبيا إلا 17 بالمائة والمغرب 8 بالمائة ولا تتعدى 4 بالمائة مع تونس. ويبدو واضحا من خلال نسبة التبادلات التجارية مع دول المغرب العربي أن واشنطن عينها على الطاقة، وهو الهدف الثاني الذي يسعى إليه براديب رامامورثي في زيارته للجزائر، فالنفط والغاز يمثلان 99 بالمائة من حجم التبادل التجاري بين الجزائروواشنطن، و96 بالمائة مع ليبيا، وهو ما يفسر الاهتمام الأمريكي بمنطقة المغرب العربي في ظل إستراتيجية أمريكية شاملة في إفريقيا تهدف لتنويع مصادر طاقتها، ومن المتوقع أن تستورد واشنطن أكثر من 25 بالمائة من حاجياتها من الطاقة في الخمس عشرة سنة القادمة من القارة الإفريقية، مما جعلها تولي أهمية لإعادة توزيع قواتها العسكرية في العالم بإنشاء القيادة العسكرية لإفريقيا ''أفريكوم'' كخيار إستراتيجي لتأمين مصادر الطاقة وبناء تحالفات عسكرية لوقف الزحف الآسيوي في القارة السمراء التي تجاوز حجم التبادل التجاري في سنة 2009 بين بكين وإفريقيا 100 مليار دولار بعدما كانت لا تحصى في بداية الألفية، وهذا التصاعد المذهل للاستثمارات الصينية في إفريقيا يجعل واشنطن تسرع لربط قطاع الأعمال المغاربي بدوائر المال والأعمال الأمريكية التي لا تزال رهينة الاستثمارات في قطاع المحروقات. أما الهدف الثالث من زيارة براديب رامامورثي إلى الجزائر، فهي زيارة تندرج ضمن دبلوماسية العلاقات العامة من أجل تحسين صورة واشنطن في العالم العربي والإسلامي، فالوظيفة السياسية والدبلوماسية التي يشغلها براديب رامامورثي باعتباره مكلفا بتطبيق الالتزام العالمي لدى إدارة أوباما في البيت الأبيض، من مهامه الاتصال الدبلوماسي وتحريك مشاريع التنمية وتنفيذ المساعدات الدولية التي تلتزم بها واشنطن تجاه العالم، وفي هذا الإطار خصصت واشنطن 600 مليون دولار للتنمية في المنطقة العربية. والزيارة في حد ذاتها تهدف لتحريك التنمية من خلال عقد مؤتمر مغاربي لرجال الأعمال والمقاولين المغاربة بالشراكة مع نظرائهم الأمريكيين في نهاية سبتمبر القادم بالجزائر تحت رعاية مجلس رجال الأعمال الجزائري الأمريكي، يقول الأمريكيون من خلال هذا المؤتمر إننا نبحث عن تنويع الاستثمارات خارج قطاع المحروقات في وقت لا تزال الجزائر تعتمد على الكسكس والتمر كموارد تصدرها لواشنطن خارج المحروقات، بينما ليبيا تبقى رهينة الطاقة مثل الجزائر بينما تستمر كل من تونس والمغرب في تبعية مطلقة للأوروبيين..وهذه هي إحدى معضلات بناء التكامل المغاربي