لم نكن نتصور ونحن ندخل مصلحة الاستعجالات الجراحية والطبية بعاصمة ولاية الجلفة، أننا سنقف على تلك المشاهد وعلى الفوضى الكبيرة وغياب المسؤولين وغياب حتى الضمير المهني. ساعة واحدة قضتها "البلاد" متجولة في أروقة المصلحة، كشفت أن موضع الحلقة المفقودة غير محدد وغير معروف إلى حد الآن، فحتى لجنة التحقيق الوزارية التي حلت بالولاية قبل أسبوعين، وعاينت هذه المصلحة ووقفت على أمور كارثية وتسيب كبير و"بهدلت" العديد من الموظفين والمسؤولين، لم تجد توصياتها أي تطبيق، ويبقى وحده المريض و"المكسور" ووووو.... وغيرهم من أصحاب الآهات، من يدفعون ثمن التسيب الحاصل الذي وصل في مناسبة سابقة إلى غاية توجيه ضحية حادث مرور على جناح "السلحفاة" إلى العاصمة وإرجاعه على الوضع نفسه بعد أن قضى أكثر من 600 كلم ودماؤه مهدورة في الطريق. في غياب الضمير المهني... التطبيب ب "المعريفة" خلال تواجد "البلاد" بمصلحة الاستعجالات الجراحية في تلك الليلة، وقفنا على حالة "أم أحمد"، التي ظلت مرمية على سرير بلا تكفل لأكثر من ساعة، غير أن الأمور انقلبت رأسا على عقب وأصبح البحث جاريا عن "إسعاف المصلحة ككل"، فالفوضى الكبيرة ومئات المرضى، ومرافقوهم والمتدفقون على أروقة و"قاعتي العلاج" اليتيمين، كان هو المشهد ومختصر الوضع هناك، ليظهر الجميع مترجلا والكل يبحث عن ممرض أو طبيب أو مسعف، والمصيبة أننا اصطدمنا في تلك الساعة بأن من كان يوفر الخدمة والإسعاف ممرضين اثنين وطبيبين لا غير، في ظل تواجد أكثر من 420 فردا ما بين مريض ومرافق كانوا ينتظرون دورهم للعلاج. حقيقة، اصطدمنا بعشرات الحالات الممدة داخل الرواق في رحلة الألف ميل من الانتظار. والمثير في الأمر أن زيارتنا تزامنت مع حالات حرجة كانت لا تزال في طابور الانتظار، منها حالة الطفل (ش.م) الذي تعرض لكسر في رجله، وعلى الرغم من خطورة حالته إلا أنه أُجبر على انتظار دوره أمام إحدى القاعتين. كما شد انتباهنا حالة طفل آخر كان أبوه "يذهب ويعود ويجتر الأمتار" لأن حرارة فلذة كبده كان مرتفعة جدا، المصلحة ببساطة لم يكن بها سوى طبيبين فقط، كانا غارقين مع حالات حرجة أخرى. ولنا أن نسأل عن حقيقة الأمر، وعن حالة هذه المصلحة التي من المفروض أن تقدم خدماتها لأكثر من 400 ألف نسمة على مستوى عاصمة الولاية وحدها، إلا أن واقع الحال يكذب ذلك بدليل أن المصلحة كانت على حالة الخواء والافتقار ويديرها في تلك الليلة طبيبان وممرضان لا غير، ليكون الوضع خارج القاعتين مأساويا... أنين، آهات.. إضافة إلى سب وشتم وأشياء أخرى، والكل يريد أن يكون الأول، لكن واقع المصلحة التي من المفروض أن اسمها استعجالية لم يكن يستوعب تلك الحالات الكثيرة التي كانت في حالة الانتظار والتي وصل عددها إلى 150 شخصا كانوا محشورين أمام قاعتي العلاج فقط دون احتساب البقية!! مع العلم أن ساعة تواجدنا داخل المصلحة كانت التاسعة مساء فقط، مما يطرح العديد من علامات الاستفهام والتعجب عن وضعية المصلحة في ساعات أواخر الليل. وذكر المدعو (ب م) أنه جاء رفقة والده المسن بعد أن اشتدت آلامه وهو ممدد على هذه الحالة أكثر من 40 دقيقة، وظهر الشيخ أحمد غارقا في آلامه، وكانت علامات الغضب بادية على الابن (محمد) الذي تاه بين أروقة المصلحة بحثا عن ممرض أو أي مسعف. يذهب... يدور... يرجع، ليذهب ليدور... ليرجع...من جديد، سيره وغضبه كله كان في حلقة مفرغة، ليجبر في الأخير على الانتظار فلا حل له غير ذلك، تركناه يسب ويشتم وينطق بأكثر من ذلك و"هذي فوضى هذي" كان لسان حاله وحال الكثير من المنتظرين أمام قاعتين فقيرتين يملؤهما الفراغ وتسمى اصطلاحا مصلحة الاستعجالات الطبية لعاصمة الولاية!.. ساعة واحدة من المعاينة المباشرة كانت كافية لرسم صورة واضحة وجلية عما يحدث بهذه المصلحة. ممرضون يرفضون العمل بالمصلحة يتفق من تحدثوا مع "البلاد"، على أن لجنة التحقيق الوزارية التي جالت وصالت في المصلحة قبل أسبوعين، انتهي عملها هنا، حيث غضب أفرادها .. لكنهم غادروا في النهاية ليعود الوضع على ما كان عليه. وفي دردشة جمعتنا بمراقب طبي التقيناه أكد أن غالبية الممرضين العاملين بالمستشفى يرفضون التوجه إلى مصلحة الاستعجالات الجراحية والطبية ويفضلون العمل بباقي مصالح المستشفى الأخرى والمبرر هو "الهروب من الضغط"، مشيرا إلى أن برنامج تلك الليلية يشير إلى وجود 6 ممرضين على الأقل، غير أن من يوفر الخدمة كان اثنان فقط والبقية تغيبوا بمبرر أو دون مبرر. "البلاد" شاهدة على "تكدس" المرضى وقفت "البلاد" على تكدس كبير للمرضى في القاعة المتواجدة على الجهة اليمنى من المدخل الرئيسي، نساء مغمى عليهن، طفل صغير على الأرض وكيس "سيروم" مربوط بعداد كهربائي، ذكر لي أن رضيعة تبلغ من العمر 8 أشهر فقط، سارع إلى إسعافها بعد أن جف جسمها من الماء، ليصطدم بالغياب الكامل والجواب الجاهز "لن نستطيع فعل أي شيء لها خذها إلى المستشفى". ساعتان من التجول في المصلحة دون فائدة، ليطلب منهم نقلها على متن سيارة الإسعاف والغريب أن من تحدث إليه أكد أن العديد من السائقين لا يمتثلون للأوامر وأن تحريك عجلة سيارة الإسعاف لا يكون إلا ب"التحلال"، وبعد أن خرج لدقائق وعاد، عاد يبحث عن زوجته وعن طفلته، لتكلمه أنه قد تم نقلها أخيرا، والثابت أن وجود ممرضين وطبيبين في تلك الساعة لم يستطيعوا التكفل بجميع الوافدين وكانا يقدمان الخدمة فوق طاقتهما بكثير. مرضى يتكفل بهم بسرعة الضوء لم يكن أمام "أم أحمد"، وهي تنتظر من يسعفها، إلا الاعتراف بأن مريضة تم نقلها إلى جهة أخرى على متن سرير متنقل وأن 3 ممرضين تكفلوا بها بسرعة الضوء حينما كانت بجانبها في غرفة التمريض، ليذهب بنا فضولنا إلى البحث عن هذه "المحظوظة". وفي جولة البحث التقينا أحد نواب البرلمان الذي قال إن أحد أفراد عائلته متواجدة هنا وهي في الطابق العلوي، ودون تعليق ظهرت حقيقة وهوية هذه "المريضة المحظوطة"، ليبقى البحث جاريا عمن يتكفل بمئات المرضى كانوا يتدافعون في قاعة العلاج وآهاتهم وأنينهم يشق الجدران، ليعلق أحد مرافقي المرضى، ما دام نواب الشعب يزاحموننا في المصلحة ويقضون حاجاتهم ب "المعريفة" هل ننتظر منهم الدفاع عن الولاية والضغط على الوزارة من أجل جلب الأطباء المختصين والرفع من حصة مناصب الممرضين؟، ليجيب: لا أعتقد. والمثير أن مدير إحدى المصالح الإدارية تم التكفل به أيضا بسرعة و"شعيب الخديم" لا حول له ولا قوة. ويتساءل هؤلاء عن نتائج تحقيق لجنة التحقيق الوزارية التي نزلت إلى الولاية في وقت سابق، والتي انتهى تحقيقها إلى الجدار، بدليل أن الوضع لا يزال على حاله، مع العلم أن العديد من أهالي المرضى كانوا قد رفعوا دعوى قضائية ضد المصلحة بتهمة الإهمال ومن ذلك حالة ضحية حادث مرور قبل حوالي 4 سنوات، اتهم فيها ابنها في شكوى وجهت إلى وكيل الجمهورية في حينها بإهمال أمه ووفاتها بعد أن سقطت من سرير متنقل في مدخل المصلحة لتلقى حتفها. كما تحولت المصلحة المذكورة إلى مسرح للاحتجاج المتواصل، كان آخره ما حدث لضحية حادث مرور المدعو "س.عطية"، حيث اتهم أهله ومعارفه العاملين في تلك الليلة بالإهمال وعدم التكفل به وكاد يلقى حتفه، زيادة على أكثر من احتجاج وصل إلى حد تكسير واجهة المصلحة المذكورة. ويبقى الثابت في القضية أن الصورة كانت واضحة، والوضعية التي ظهرت عليها مصلحة الاستعجالات الجراحية، كانت تغني عن أي تعليق، ليبقى التساؤل قائما عن حقيقة الإصلاحات القائمة وعن حقيقة التكفل التام بالمواطن في الجانب الصحي المتداولة على مستويات عدة، والتي تبقى مجرد حروف موجهة للاستهلاك، وفي الأخير يمكن القول إن مصلحة الاستعجالات وبناء على المعاينة المباشرة ل"البلاد" موجودة في الإنعاش إلى إشعار آخر بعيدا عن الأرقام الرسمية وحديث الرسميين بأن كل شيء على ما يرام، وكذا "التزواق" الكبير لها والذي لا يعكسه ما يحدث في الداخل، مع العلم أن وزارة الصحة قامت بتنصيب مدير جديد للصحة على مستوى الولاية، ليبقى رهانه الأول والأخير مصلحة الاستعجالات الجراحية والطبية، وهل يتمكن من إخراجها من عنق الزجاجة، على الرغم من أن العديد من المتابعين لوضعية القطاع بمن فيهم والي الجلفة، أكدوا أن المشكل الأول للصحة يكمن في الجانب التسييري وليس في الهياكل والأجهزة.