أثار قرار المملكة العربية السعودية وقف خدمات الهاتف النقال الذكي بلاكبيري لمدة أربع ساعات من أجل الضغط على شركة ريسرش إيموشين الكندية صاحبة البلاكبيري، مع قرار التهديد الذي اتخذته الإمارات العربية المتحدة بحق الشركة الكندية ومنحها مهلة إلى غاية 11 أكتوبر 2010 للتكيف مع التنظيم القانوني المعمول به في الإمارات وإلا سيتم توقيف بعض خدماتها، مسألة التكنولوجيا ودورها في اختراق السيادة الوطنية وخطرها على تهديد الأمن الوطني وهو ما علل به صانعو القرار في أبوظبي القرار على أنه حماية للأمن الاجتماعي والاقتصادي وأمن الدولة، فما هي مخاطر البلاكبيري على الأمن الوطني؟. بداية ليست المرة الأولى التي يتم فيها طرح تهديد التكنولوجيا للأمن الوطني من حيث دور عامل الاتصالات في اختراق الأفراد والمجتمعات والدول، فالأقمار الصناعية تلتقط ملايير الصور عن المواقع الإستراتيجية للدول بعدما كانت في الماضي من المسائل الحيوية لأية دولة، كما أضحى غوغل إرث متاح لكل الأفراد لرصد كل المواقع في الكرة الأرضية، وهو ما جعل الدول تفقد الكثير من سيادتها الأمنية، إذ أصبحت حدودها السياسية مكشوفة، وضمن هذا الإطار تعمل الدول المتطورة تكنولوجيا على التحكم في قرارات الدول المتخلفة تكنولوجيا بفضل عامل الاختراعات والتحكم في الجغرافيا الفضائية، وتمثل خدمات الهاتف النقال الذكي بلاكبيري بمفهوم التصنت والمراقبة على الاتصالات التي يجريها الأفراد حسب أهميتهم كرجال أعمال أو سياسيين من زاوية تقنية محضة، وهي أن الحاضن الرئيسي للشركة الذي يجمع ويحول كل الاتصالات موطنه كنداوالولاياتالمتحدةالأمريكية بالنسبة للمستخدمين القاطنين في شمال أمريكا وبريطانيا بالنسبة للمستخدمين في أوروبا، والتخوف الأمني يكمن في أن الدول التي تسوق هذا النوع من الهواتف الذكية لا تملك القدرة على فك شفرة الاتصالات نظرا لاحتكار الشركة الكندية لمفاتيح التشفير بحجة حماية المستخدمين، وهو ما يطرح بالنسبة للكثير من الدول الصعوبة في مراقبة الاتصالات المرغوب فيها عندما يتعلق الأمر بمتابعة جماعات إجرامية أو جماعات الفساد المالي أو التهديدات الإرهابية، كما طرحت ذلك الهند عندما كشفت أن مهاجمي مومباي استخدموا البلاكبيري مما صعب على الحكومة الهندية التقاط الاتصالات مادام أنها لا تملك الشفرة لمراقبة الاتصالات. والخطر الأكبر بالنسبة للدول التي تستخدم البلاكبيري أنها مهددة بالانكشاف الأمني في اتصالاتها من باب أن الشركة الكندية تحتكر تخزين الاتصالات مما يعطيها القدرة على مراقبة كل المعلومات المتحولة بين المتعاملين للبلاكبيري، مما جعل الدول الغربية خصوصا في أوروبا يحذرون الموظفين الحكوميين وصناع القرار وأرباب العمل من مخاطر استخدامات البلاكبيري، وكانت الضجة الأمنية الأولى طرحتها فرنسا في سنة 2007 عندما منعت استخدامه بموجب تعليمة أصدرتها الأمانة العامة لوزارة الدفاع على الموظفين في القصر الرئاسي في الإليزيه والقصر الحكومي في ماتنيو، وحجتهم في ذلك النتائج التي توصل إليها الخبراء الأمنيون خصوصا في الملتقى الذي نظمه المعهد العالي للدفاع الوطني سنة ,2005 ومن بينها أن البلاكبيري يمثل خطرا من حيث الاختراق الأمني للمراسلات والاتصالات والمعطيات السرية، وهو ما عبر عنه في حينها أحد أكبر المسؤولين الفرنسيين في الاستعلامات الاقتصادية، ألان جويي، من أن العصر الذي نعيشه هو عصر الحرب الاقتصادية مما يجعل مخاطر التجسس على الاتصالات مسألة حقيقية، والقضية تطرح على المؤسسات الإدارية الحكومية كما تطرح على المؤسسات الاقتصادية، خصوصا وأن وكالة الأمن القومي الأمريكية النازا تقوم بالتقاط الاتصالات.وهذا التهديد الخارجي لالتقاط الاتصالات كان قد سبق الهاتف النقال الذكي بلاكبيري في إطار الجوسسة الاقتصادية بين الأوروبيين والولاياتالمتحدةالأمريكية، خصوصا بعدما أقدم بيل كلينتون على تأسيس وكالة الأمن الاقتصادي وظيفتها جمع المعلومات ومراقبة المنافسين للاقتصاد الأمريكي، حيث حدث الصدام المباشر بين أوروبا وواشنطن فيما عرف إعلاميا بالأذان الكبرى أو نظام الاتصالات إشلون الذي يضم كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا واستراليا، وأثبت الخبراء الأمنيون قدرة إشلون على كشف معلومات سرية للغاية وظفت لصالح الشركات الأمريكية وأعطتها القدرة على التفوق بالصفقات التجارية الضخمة، من بين هذه الصفقات التي يتحدث عنها الأوربيون تفوق شركة الطيران بوينغ على الشركة الأوربية إيرباص في صفقة بيع الطائرات للسعودية، تفوق شركة ريثون على طومسون في صفقة تزويد غابة الأمازون بالبرازيل برادارات و كذلك التفوق على الشركة الألمانية سيمنس في صفقة إلكترونية للهند، وكل هذه الصفقات تم إثارتها في نهاية سنة 2000 بالبرلمان الأوروبي والبرلمان الفرنسي مع لجان خاصة في التحقيق في خطر تهديدات إشلون على الأمن الأوروبي. ومسألة إشلون التي لا تزال مطروحة في إطار التنافس الاقتصادي والتجاري الأمريكي الأوروبي، هي التي تطرح معها قضية خطر استخدام البلاكبيري من قبل المسؤولين السياسيين في أوروبا وكذلك تهديدها للأمن التجاري بالنسبة لرجال الأعمال لما توفره خدمات بلاكبيري باعتباره جهاز للإعلام الآلي مصغر، حيث ينقل الرسائل الإلكترونية محملة بالوثائق على شكل بي.دي أف أو أش تي أم ويصبح الهاتف سكرتارية متنقلة ومكشوفة للمستندات والمعطيات والبيانات التي يحتاجها رجال الأعمال، والتخوف الأوروبي ينبع أساسا من أن الحاضن بالنسبة للشركة موجود ببريطانيا التي هي عضو فعال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في الاتفاقية الثنائية الأمنية للاتصالات مع واشنطن التي توسعت فيما بعد في نظام إشلون لدول أخرى. كما أن قضية مخاطر البلاكبيري وتهديده للأمن الوطني طرح في واشنطن في الأيام الأولى لوصول باراك أوباما للبيت الأبيض الذي دخل في مفاوضات لمدة يومين مع خبراء النازا الأمريكية لمنعه استخدام البلاكبيري، وبعد مفاوضات عسيرة تم التوصل إلى منح أوباما جهاز للبلاكبيري خاص، سحبت منه بعض الوظائف مثل الجي بي أس بحجة الحيطة من رصد تحركات الرئيس أوباما من قبل الأعداء، كما حدد عدد صغير من الذين يمكن الاتصال بهم، وإذا كانت الحجة القانونية التي قدمت هي أن كل مراسلات الرئيس واتصالاته يجب أن تسجل قانونا وذلك بعد فضيحة وترغيت، فإن الجانب الأهم أن واشنطن مدركة أن الدول المدمجة في نظام إشلون يمكنها استخدام تلك المعلومات، وفي النهاية بعدما حاول أوباما ألا يكون معزولا في البيت الأبيض عن العالم كما كان يقول فإن الجهاز الأمني حصره في دائرة مغلقة في استخدام البلاكبيري لأن النازا التي تحصي وتراقب اتصالات العالم لا تريد لرئيسها أن يلتقط حتى من داخل واشنطن، بينما في الإمارات والسعودية تركز كثيرا على تهديدات الأمن الاجتماعي لأن الانتشار المذهل لجهاز البي بي كما يسمونه في الخليج بين الأفراد، بنسبة 80 بالمائة من مجموع المستخدمين، يعطي القدرة على الإبحار في الانترنت وتبادل الاتصالات دون مراقبة أمنية وطنية، وبالتالي لم يعد للمواقع المحظورة التي تتجاوز 400 ألف موقع في السعودية لوحدها أي جدوى.