يتحدث المخرج السينمائي أحمد راشدي عن واقع السينما الثورية، وعن علاقته بالسلطة ومشاكل صناعة الأفلام في الجزائر. كماا يكشف في حوار ل"البلاد" عن أسباب تأجيل عرض فيلميه الأخيرين "العقيد لطفي" و"كريم بلقاسم". حاورته/ حسناء شعير - كان من المرتقب عرض فيلميك الأخيرين "كريم بلقاسم" و"العقيد لطفي" مطلع شهر نوفمبر الماضي، وذلك تزامنا مع الاحتفالات المخلدة للذكرى الستين لثورة التحرير، لكن هذا لم يحدث.. لماذا؟ بالفعل.. لكن أنا مسؤوليتي كمخرج تنتهي بانتهاء مرحلة الإخراج وتسليم نسخة من الفيلم إلى الجهة المنتجة، وهي وزارة المجاهدين التي وحدها تملك حق تقرير موعد عرض الفيلم. ما أعرفه أنه كان مبرمجا عرض الفيلمين في أوائل شهر نوفمبر، لكن تأجل هذا بسبب عرض فيلم "غروب الظلال" للخضر حمينة، وبعدها قيل لنا إن الاحتفال بالذكرى الستين يكون على مدار سنة كاملة. - هل أزعجك الأمر؟ بالعكس، لم يزعجن هذا على الإطلاق لأن شهر نوفمبر شهد عرض أفلام كثيرة ولم أكن لأفرح لو عرض فيلمي لأنني أفضل أن تكون هناك مسافة شهر أو شهرين بين عرض الأفلام حتى يتسنى للجمهور استيعاب العروض المقدمة، وجميل أن تتوزع عروض الأفلام طيلة السنة وبالنهاية أنا لست مسؤولا عن تاريخ إنزال أي فيلم.. بل الجهة المنتجة. ما يتعلق بي هو أننا أنهينا فيلم "كريم بلقاسم" وأصبح جاهزا للعرض، فيما بقيت لمسات أخيرة على "العقيد لطفي" تتعلق بالمؤثرات الصوتية وفي غضون أسبوع سيكون هذا العمل أيضا جاهزا. - إلى أي مدى على مخرج السينما الثورية توخي الحذر والجدية في التعامل مع التاريخ؟ المخرج السينمائي مطالب بالوفاء لما جاء في التاريخ من وقائع وأحداث، ولكنه غير مقيد بالتاريخ، لأن التاريخ لم يكتب بعد، أعطيك مثالا قريبا.. ما كتب عن العقيد لطفي يتلخص في كتاب واحد ونفس الشيء بالنسبة لكريم بلقاسم، فالمرجعيات التاريخية تكاد تكون غير موجودة، وإن كانت هناك بعض الشهادات الحية والوثائق والتقرب من عائلات ورفقاء هؤلاء الشهداء. - ولكنك تحمل على عاتقك مسؤولية التوثيق لمراحل هامة من الثورة ورموزها ويجب أن تكون أمام مادة تاريخية؟ لا أنا ولا السيناريست مؤرخان، نحن نصنع خيالا ونحاول أن يكون قريبا من الوقائع، والانطلاقة بالنسبة إلي أنا تكون من التمجيد.. في السنوات الأولى للثورة بدأنا نعمل على شخصيات تاريخية لأننا بعد 50 سنة اكتشفنا أننا لم ننجز شيئا، كنا ننطلق من شعار يقول إن البطل الوحيد هو الشعب.. لكن هناك شخصيات جوهرية هي التي غيرت مسارا بأكمله وخططت وفكرت. - هل مشروع إنجاز سلسلة من الأفلام عن رموز الثورة هو ما تراهن عليه؟ ل نحصي عدد الشخصيات النموذجية والجوهرية للثورة نجد أنفسنا أمام 2000 مشروع فيلم.. بل نحن مطالبون بإنجاز فيلم كل سنة. - وهل من السهل تجسيد هذا بالنظر إلى مشكل الميزانية؟ المشكل ليس في التمويل، لأنه توجد إرادة من وزارة الثقافة في دعم هذا النوع من الأفلام، كما أن وزارة المجاهدين بأمر من رئاسة الجمهورية فكرت في عدد من الأفلام حول الشخصيات التاريخية من الجيل الأول للثورة أمثال سي امحمد والعربي بن مهيدي والعقيد لطفي وكريم بلقاسم والقائمة طويلة، لكن المشكل في الإمكانات التقنية والمعدات والأجهزة التي نعمل بها والتي لا تتناسب مع التطور والحداثة، وهناك أيضا مشكل آخر يتمثل في عدد قاعات السينما التي تعرض هذه الأفلام، حيث لا تتجاوز اليوم 20 قاعة بعدما كانت في وقت سابق 500. - هل تعتقد أن ما أنجز من أفلام هو بحجم الثورة ورموزها؟ طبعا لا.. عددها قليل جدا وقد لا يتجاوز العشرة.. جوانب الثورة ووقائعها تستحق الكثير من الأفلام وأحسن شيء هو الربط بين الأجيال، وإن كان مفجرو الثورة لم يتجاوزوا ال30 من أعمارهم لكنهم بادروا بتفجير الثورة ضد رابع قوة عسكرية في العالم وبإمكانات ضئيلة، وانطلقوا من مقولة الشهيد بن مهيدي "ألقوا الثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب".. نحن مقصرون تجاه ثورتنا.. بعد نصف قرن لم نصنع إلا عددا من الأفلام التي تعد على رؤوس الأصابع. - هل شاهدت فيلم "الوهراني" لإلياس سالم وما رأيك في الهجوم الذي طال المخرج بسببه؟ لم أشاهد الفيلم، لكني تابعت ما كتب في الصحف حوله.. أعتقد أن أي مبدع حر في قراءته لشيء عاشه أو سمع عنه أو فكر فيه.. لكن ومع كل احترامي لحرية الإبداع؛ هناك شيء مقدس في الثورة لا يجب المساس به.. هي "تابوهات" لا يجب تناولها سينمائيا وإلا تكون كأنك تنازلت لما يقوله الخصم ويروج له، وإن العنف كان من الجهتين، وهذا غير صحيح.. هم كانوا 60 ألف ضحية بينما نحن مليون ونصف مليون شهيد، كما قام الاستعمار بنسف وتدمير ما لا يقل عن 6000 قرية.. ولو حسبنا شهداء الثورة من تاريخ 14 جوان 1830 سنحصي 8 ملايين شهيد أو أكثر.. السينما الثورية ليست كتابة التاريخ وتاريخ الإنسانية ككل لا الجزائر.. فقط يطرح هنا سؤال حول من يكتب التاريخ؟ فكل من كتب التاريخ كتبه من وجهة نظر المنتصر.. فهل هذا هو التاريخ أم علينا أن نجتهد حتى تبرز أعمالنا شخصيات تاريخية. - ماذا عن فيلم "الأمير عبد القادر" الذي جمد نهائيا بعدما أوكلت مهمة إخراجه لأمريكي وكنت ضمن المخرجين الجزائريين المعارضين لهذا الأمر؟ الأمير عبد القادر شخصية تاريخية قوية، ولها جوانب عديدة فهل من العدل أن نحصره في فيلم واحد عمره ساعتين.. أعرف أن هذا التوقيت من مقتضيات السينما لكن نحن أمام شخصية تاريخية فذة ومراحل كفاحه، لقد سبق لي وقلت "أعطوني نصف الإمكانات التي أعطيت للمخرج الأمريكي ودعوني أخرج فيلما عن الأمير عبد القادر عن تاريخ أجدادي وإن لم أنجح فاشنقوني.. وهذا الكلام لا ينطبق علي أنا فقط بل على أي مخرج جزائري.. نحن أقرب إلى شخصية الأمير عبد القادر من أي مخرج أجنبي فلا يعقل أن أذهب إلى أمريكا وأقترح إخراج فيلم عن جورج واشنطن مثلا.. هذا غير منطقي تقنيا.. قد يكون ممكنا لكن روحيا لا يجوز. - هل تعتقد أن هذا الفيلم إن رأى النور سينجح؟ من وجهة نظر مخرج أجنبي أعتقد أن الفيلم سيفتقد للصدق الكامل والإحساس الذي يتمتع به مخرج جزائري، وإدراكه لعظمة شخصية الأمير عبد القادر، فكل نقطة في هذا الفيلم يجب أن تكون مربوطة بهذا الإحساس والإدراك.. أنا مخرج سينمائي منذ 1962 أو قبل ذلك.. كلما تناولنا فكرة موضوع فيلم الأمير عبد القادر مع دولة ما أثرنا مشكل السيناريو الذي يجب أن يرضي الدولة الجزائرية كجهة منتجة.. ما المانع أن نصنع 10 أفلام عن الأمير.. فرنسا أنجزت 94 فيلما عن نابليون بونابارت وترى أنها غير كافية.. لماذا نحن مربوطون بفيلم واحد عن مؤسس الدولة الجزائرية وننطلق من مسألة تغضب الجزائريين وهي أنه لا يوجد في الجزائر مخرج ينجز فيلم الأمير عبد القادر حتى نلجأ إلى أجانب. - يصنفك البعض من المثقفين المقربين إلى السلطة بل والمدللين، فأنت لا تواجه إشكالية الحصول على التمويل وكنت المخرج الجزائري الوحيد الذي حظي بمشاهدة رئيس الجمهورية لفيلمك "مصطفى بن بلعيد"؟ تصنيف اطئ.. لست قريبا من السلطة بل قد أكون من المشتبه بهم.. أما مسألة فيلم "العربي بن مهيدي" فأنا كنت متواجدا في سوريا أحضر لتصوير فيلم عن "ابن خلدون"، اتصلوا وقتها من الجزائر وطلبوا مني إخراج فيلم عن مصطفى بن بلعيد.. لم أتردد للحظة.. أوقفت تصوير "ابن خلدون" وقلت إن الأولوية له 2000 مرة، وأنجزت الفيلم دون أي تقرب من السلطة.. مشكل القرب أو البعد من السلطة هو مشكل المثقف العربي الذي يجد نفسه بين خيارين، حيث يتردد بين الولاء إلى السلطة والسلطة نار حارقة، أو البعد عنها فيموت بردا ويتجمد.. فهو بين النار والثلج.. أنا ككل المبدعين العرب فرضنا على أنفسنا شيئا اسمه الرقابة الذاتية. - تراهن على الوجوه الجديدة في أفلامك بل تمنحها أدوارا أساسية ولا تعول على المشاهير من الفنانين.. لماذا؟ بالفعل.. قبل أن أبدأ في تصوير أي فيلم أقضي مرحلة طويلة من البحث والتنقيب بكل المسارح الجهوية عن مواهب مبهرة.. فأجد شبابا موهوبين تنقصهم فقط فرصة الظهور ليظهروا لك قدرتهم على الاجتهاد وتجسيد ما يطلب منهم.. اسم أي فيلم لا يصنعه الفنان المشهور أو المخرج ولكن الشخصية التاريخية فهي تمسح كل الشخصيات التي تعمل خلف الكاميرا. - هل لك أن توجز لنا مشاكل الصناعة السينمائية في الجزائر؟ .. وهل هناك أصلا صناعة سينمائية في الجزائر.. كل فيلم مشاكله أكثر من كل شيء، نحن نفتقر لكفاءات والمشاهد الجزائري أصبح على قدر كبير من الثقافة السينمائية أمام تحكمه في 600 قناة تلفزيونية وحصوله على آخر الأفلام الأمريكية وبكل سهولة.. وهنا نكون أمام ورطة وهي كيف نقدم عملا سينمائيا في المستوى. - أنت تحصر وجود صناعة سينمائية في مصر وتعتقد أنه لا توجد أفلام عربية إلا هناك.. كصناعة سينمائية عربية.. نعم موجودة في مصر فقط لأنها دولة تقدر السينما ولها سوق توزيع وقاعات كثيرة للعرض.. مصر أكثر من 100 عام سينما.. نحن موردنا الوحيد الدولة التي تصرف على الأفلام وبالمقابل تصر على اختيار المواضيع.. أنا لم أختر إنجاز أفلام عن بن بولعيد والعقيد لطفي وكريم بلقاسم بل الجهة المنتجة.. وهذه سياسة أي منتج.. صناعة السينما في أمريكا مثلا هي ثاني صناعة بعد صناعة السلاح ومواردها كبيرة لاقتصاد البلد وهناك أمر آخر في غاية الأهمية، فالأفلام في أوروبا أصبحت تعرض في قنوات خاصة بمقتضى قانون وهذا يساعد على فرجة الأفلام والتعرف عليها.. أتمنى أن يحدث هذا في الجزائر ودون فرض من الدولة، آمل أن تخصص القنوات الخاصة 50 بالمائة من برامجها لعرض أفلام سينمائية بناء على قانون الاستثناء الثقافي.. الغريب في الأمر أن التلفزة العمومية الجزائرية لا تهتم أيضا، لقد طلبنا منهم المشاركة في إنتاج فيلمي "العقيد لطفي" و"كريم بلقاسم" لكنهم لم يردوا ولم يهتموا.