* "أطباء مختصون" بمستوى السادسة ابتدائي حلمهم الوحيد هو الحصول على جلسة علاج، وهم مرضى السرطان والروماتيزم والقلون وغيرهم، أولئك الباحثون عن علاج بشتى الطرق والوسائل بالرغم من التطورات العلمية والطبية التي طرأت في العقدين الأخيرين على الطب والتسهيلات التي يشهدها قطاع الصحة في الجزائر، إلا أن العديد من الأشخاص لاتزال ثقافة الدواء عندهم غائبة، ليحل محلها الطب البديل الذي كثر انتشاره في الآونة الأخيرة بالجزائر، على اعتبار أنه أصبح تجارة رابحة يمتهنها من لا مهنة له. "البلاد" قامت بجولة استطلاعية في عديد المحلات بالعاصمة التي أصبحت منتشرة انتشار النار في الهشيم، فلا يخلو حي من هذه المحلات. ولرصد حقائق وخفايا وأسرار هذا الطب الذي اختلفت استعمالاته ووصفاته عما كانت عليه في وقت مضى وقبل ظهور الطب الحديث، دخلنا محلات بيع الأعشاب على أساس أننا مرضى نطلب دواء وعلاجا ونؤمن بنجاعة وفعالية الطب البديل، لأنه كلما دخلنا هذه المحلات للاستفسار كصحفيين قوبل طلبنا بالرفض وأحيانا الطرد من قبل أصحاب المحلات الذين كانت تبدو عليهم ملامح الخوف لأسباب لا يمكن معرفتها، إلا إذا اتجهت إلى هذه المحلات كمريض يطلب الدواء لتقابلك انتهازيتهم التي لا يمكن أن تكتشفها إلا إذا كان الغرض كاذبا لأن ألم المريض وأوجاعه تحجب حقيقة هؤلاء. أطباء لا يتجاوز مستواهم السادسة ابتدائي أول ما يلفت انتباهك وأنت تدخل هذه المحلات، هو تشخيص المرض من قبل الباعة وإعطاؤهم الوصفات التي تساعد المريض على الشفاء في أيام قلائل. دخلنا أحد المحلات ببلوزداد في العاصمة حيث وجدنا البائع الذي كان يبدو من لهجته أنه من الجنوب الجزائري منهمكا في كتب وصفة لأحد الزبونات أو بالأحرى المريضات، وقد تبين من حديثهما أنها تعاني من القولون، انتظرنا حتى أنهت حديثها مع هذا الأخير لنسألها لماذا لا تتجهين إلى طبيب فهناك ستلقين العلاج الحقيقي والمفيد، فكانت اجابتها أنها جربت كل الوصفات الطبية وذهبت إلى أكثر من طبيب دون نتيجة، فاتجهت إلى التداوي بالأعشاب الذي نصحتها به إحدى جاراتها. محل آخر بالقرب من البريد المركزي بالعاصمة يقوم فيه البائع بالتجول وسط المحل والتحدث مع الزبائن ليسألهم عن موضع الألم ويقوم بتشخيص المرض، ليقدم لهم عدة وصفات حسب البلد الذي تم استيرادها منه. جشع أصحاب المحلات ورغبتهم في الربح السريع دون مراعاة بالأخطار التي يمكن أن يسببوها للأشخاص، وصلت إلى حد لا يصدق، فمحلات الهاشمي للأعشاب التي تم إغلاقها بالعاصمة، لاتزال تنشط ببعض الأماكن خفية ودون ترخيص، اتجهنا إلى أحد هذه المحلات بباب الزوار على أساس أننا نبحث عن علاج لقرحة المعدة. كما اتجهنا إلى محل آخر من محلات الهاشمي لنقدم أنفسنا على أننا مرضى بالروماتيزم لنفاجأ بأن قدمت لنا الوصفة نفسها دون زيادة أو نقصان وهي عبارة عن عسل وبعض الأعشاب الغريبة ولم نتمكن من معرفة أسماء هذه الاعشاب. .. تجار يغرقون الجزائر بالأعشاب عرفت تجارة الأعشاب المستوردة من الخارج انتعاشا غير مسبق في سماء التداوي الطبيعي في الجزائر خاصة تلك المستوردة من الصين والهند، إضافة إلى أعشاب انتشرت مؤخرا يتم جلبها من أوكرانيا، كما انتشرت في السوق أعشاب من روسيا وبلجيكا وألمانيا وسوريا والإمارات، وهو ما يدل على انتعاش هذه التجارة التي أصبحت تشكل خطرا على صحة الجزائريين الذين لن يستوعبوا الدرس إلا بعد وقوع الكارثة. وفي هذا الصدد تقول إيمان إنها ذهبت إلى محل بحثا عن دواء للقولون العصبي فنصحها صاحبه باقتناء "تيزانة" مستوردة من أوكرانيا، فوصف لها كيفية استعمالها وشرب كأس منها قبل النوم يوميا. وبعد فترة من استعمال "تيزانا" ومن كثرة استعمالها تعرضت لآلام وصلت إلى حد حبس أنفاسها حسب المتحدثة. وعند فحص الطبيب لها قال إنها تعرضت لجرح داخل الأمعاء جراء استعمال دواء معين تسبب في هذه الآلام. وأكدت إيمان أنها لم تستعمل غير "تيزانا" طول الفترة السابقة التي تبين لها في البداية أنه الحل الناجع لمشاكل الهضم والقولون. التداوي بالأعشاب تجارة مربحة وأعشاب الجهاز الهضمي أكثر رواجا يقول أحد أصحاب المحلات بالشراقة وهو الوحيد الذي تحدث إلينا بصفتنا صحفيين نريد معرفة الحقيقة من زاوية أخرى غير تلك التي تتعلق بالمرض والدواء والوصفات الزائفة. يقول أمين.ن إنّ بورصة الأعشاب تفوق أحياناً الطب الآخر، هناك عشبة تباع ب20 ألف دينار للكيلوغرام الواحد. ويضيف أنّ معدل أسعار الأدوية في حدود 600 دينار، علماً أنّ أسعار المواد المستوردة من أوكرانيا أقل سعراً، مما يجعلها الأكثر تداولاً، مع الإشارة إلى أن أسعارها ترتفع في بعض الأحيان عند ندرتها نظرا للإقبال الكبير عليها. أما بالنسبة إلى الأعشاب الطبية الأكثر مبيعاً في الجزائر، فتنقسم إلى ثلاثة أصناف كبيرة هي الأعشاب الخاصة بمشاكل الجهاز الهضمي، والقولون والقرحة المعدية: البابونج، عرق السوس، الشمر، الينسون، القصبر، قشرة الرمان، بذر الكتان، الريحان، الحلحال، المريمية أو القسحين، الزنجبيل، الحلبة، والزعرور. وأعشاب التقوية الجنسية: الجنسينق، شرش الزلوع (العشبة الجنسية)، حب الرشاد، حب الصنوبر، حب الزلم، وسائر منتجات النحل (العسل وحبوب الطلع)، والمهدئات: الزيزفون، المليسا، لسان الثور. ويضيف صاحب المحل أن نسبة الإقبال في ارتفاع مقارنة بالسنوات الفارطة، من مختلف الشرائح العمرية. جولتنا لأيام في محلات العاصمة قادتنا إلى التعرف على الشيخ "محمد" المتحصل على ماجستير في هذا المجال حيث استدعانا إلى محله ليعرفنا أكثر على الطب البديل، حيث كشف أن استخدام هذه الأعشاب والتداوي بها له معايير خاصة ومحددة وأن السلف السابق كانوا يتداوون بها بجرعات محددة وأن الطب ظهر ليطورها. فالدواء الموجود في الصيدليات هو عبارة عن أعشاب ولكنها بتقنيات علمية طبية، فلا خطر على الإنسان إن أحسن استعمالها. سألناه عن بيع الأعشاب في المحلات المنتشرة في ربوع الوطن وما مدى فعاليتها، قرد قائلا: هناك عيادات متنقلة وأطباء أو بائعو أدوية دون معرفة ما يتاجرون به. كما أن تلك الأعشاب المستوردة تثار حولها علامات استفهام لما سببته من أضرار للعديد من الأشخاص. وسائل الإعلام هي السبب في رواج تجارة الأعشاب الطبية لقد ساهمت وسائل الإعلام خاصة المرئية في انتشار تجارة التداوي بالأعشاب رغبة في الربح السريع. التقينا سيدة في العقد الرابع من العمر في أحد هذه المحلات تبحث عن وصفة للتخلص من البدانة، وعلى الرغم من كل الوصفات المقدمة من طرف البائع من مختلف البلدان المستوردة منها، إلا أنها لم تجد العشبة التي كانت تبحث عنها. أخدنا الفضول لنسألها عما تبحث بالتحديد فردت بأنها تبحث عن عشبة طبية شاهدتها في التلفاز وقد تحدثت أكثر من سيدة عن فعاليتها، كما شاهدت النتيجة التي تحدثها في أسابيع. وبالرغم من أن السيدة لم يكن يبدو عليها الجهل إلا أن سمنتها لم تتركها تفكر في أعراض التخلص السريع من الوزن الزائد دون حمية طبية او حتى ممارسة الرياضة التي تعد أكثر من ضرورية، وما يمكن أن تسببه من مشاكل في المستقبل. ... حتى التلاميذ والطلبة يبحثون عن حل بالطب البديل الطب البديل لم يتوقف عند الشباب أو الكبار بل انتشر في أوساط التلاميذ والطلبة. في جولتنا الاستطلاعية قادنا الفضول إلى أن نسأل إحدى الفتيات عن سبب تواجدها وما تعانيه، فكان ردها مخالفا لما كنا نتوقعه فهي قدمت إلى المحل للبحث عن خلطة لتقوية الذاكرة لأنها ستجتاز هذه السنة البكالويا وهي تنسى كل ما تحفظه، وهي تحتاج إلى وصفة لتقوية الذاكرة التي تستعملها إحدى زميلاتها، وقد نصحتها بذلك. أعشباب تتميز بصفة "العالمية" للاحتيال على الجزائريين انتشرت بعض الماركات في الجزائر يطلق عليها "العالمية" لا لشيء سوى لنزف جيوب الزبائن. وفي هذا الصدد تقول كريمة إنها استخدمت مستحضر "زين الأثاث" للقضاء على حب الشباب الذي يشترط لفعاليته استعماله لمدة 6 أشهر. وحسب المتحدثة، فإنه بعد استخدام المستحضر الذي تبلغ قيمته 10 آلاف دينار ظهرت نتائج إيجابية، لكن أعراض المرض تظهر، بعد فترة، من جديد. فعادت إلى صاحب المحل الذي طلب منها استعمال المستحضر مرة أخرى. وقد تبين حسب كريمة أنه لا يمكن الحصول على نتيجة نهائية، وأن هده المنتوجات تتطلب استمرار استعمالها وبالتالي ربط الزبون بشراء هذه المستحضرات العشبية.