!احتفل الجزائريون على غرار جميع المسلمين عبر المعمورة بعيد الفطر المبارك، في أجواء روحانية ميّزتها السكينة والتآخي والتآزر وتعزيز أواصر المحبة وصلة الرحم وتقوية العلاقة العائلية والأسرية، لكن من الجهة المقابلة استغرب الجزائريون حالة الملل التي تُصيبهم من سنة إلى أخرى، نتيجة الأجواء التي تُميّز أيام العيد بسبب نقص أماكن الترفيه والراحة والاستجمام رفقة أبنائهم، وحتى الظروف المعيشية اليومية خلال هذا اليوم تتأزم وتُصبح تُشكل هاجسا للمواطنين في هذه المناسبات خاصة إذا كان أحد أيام العيد يتزامن ويوم الجمعة، وتحتار العائلات الجزائرية كيف ستقضي أيام العيد في ظل ندرة مختلف المواد الغذائية والواسعة الاستهلاك وغياب أدنى الخدمات العمومية من وسائل النقل وقلة أماكن الترفيه والاستجمام·ولأن العيد له طابعه الخاص عند الأطفال باعتباره مناسبة لتمضية بعض الوقت في الراحة واللعب واللهو بعيدا عن جدران المنازل، فإن الأسر الجزائرية تجد نفسها عاجزة عن توفير جميع ظروف إتمام فرحة العيد، وتطرح الكثير من التساؤلات عن الأماكن التي يمكن زيارتها، فمنهم من يحسم أمره ويختار مسبقا برنامجه بالبقاء في البيت وتبادل الزيارات بين الأهل الذين هم أقرب إليهم بالنسبة لمن لا يملكون وسيلة نقل خاصة· أما البعض الآخر فينتظر اللحظات الأخيرة لكنه يجد نفسه يسبح في مشاكل عديدة··· في هذا السياق، ارتأينا تسليط الضوء على عدد من الظواهر السلبية التي تُعكر أجواء الفرحة لدى الجزائريين على مستوى مدينة الجزائر العاصمة· الأشباح تُخيّم على الشوارع الكبرى للعاصمة·· محلات تجارية مغلقة ولا رائحة للعيد! الزائر لمدينة الجزائر العاصمة الواجهة الأمامية للدولة، خلال أيام العيد، يعتقد أننا في حالة حظر التجول، حيث تلاحظ أن المحلات التجارية التي تشكل الصورة الحقيقية عن حركة البلد ونشاطه عبر الشوارع والأحياء الكبرى بالعاصمة، مغلقة ولا حياة لمن تنادي، الأطفال لا يجدون ضالتهم فيما يحدث·المواطنون الذين تحدثنا إليهم في هذا الموضوع اشتكوا هذه السلوكات السلبية وغير الحضارية، حيث وصفوا أجواء العاصمة الجزائرية أيام المناسبات ''بالتخلف الحضاري'' على عكس معظم عواصم العالم التي لا تنام طوال أيام السنة، مؤكدين أنهم أصبحوا يشعرون بالملل من أجواء أيام العيد لعدة أسباب، في هذا الصدد أوضح مواطن من العاصمة أن ''أصحاب المحلات المتواجدة في أكبر شوارع العاصمة تحولوا إلى موظفين مثلهم مثل موظفي القطاعات العمومية، يقررون الدخول في عطلة وعدم توفير أدنى الخدمات دون اعتبار للقوانين التي يخضعون لها والتعليمات ونداءات السلطات العمومية والممثلين عنهم عن قطاع التجارة، إذ يقوم هؤلاء بإغلاق محلاتهم أيام الأعياد التي من المفروض أنها أنسب مناسبة للربح، حيث يكثر الطلب على مختلف السلع والمنتوجات، وبرر هذا المواطن هذه السلوكات السلبية واللامسؤولة بالعشوائية وسوء التنظيم، متسائلا ''كيف للسلطات العمومية قبول نشاط تجاري وفتح محل في قلب أكبر شوارع العاصمة لشخص يقطن خارج العاصمة مضطر لقضاء أيام العطل رفقة أسرته وأهله مثل الجميع''·من جهته، أكد مواطن آخر، أن العاصمة سنوات السبعينات وحتى الثمانينات كانت في أوج حلتها، عندما كان الجزائري يستمتع بطعم الأعياد والمناسبات، فدور السينما كانت تستعد وتفتح أبوابها للمواطنين وتٌقدم لهم أحسن العروض، وكانت المحلات مفتوحة وتعرض مختلف المنتوجات، وحتى السياح والأجانب لا يشعرون بالعزلة ولا الإقصاء وسط المجتمع المسلم، كان بإمكانهم قضاء حاجاتهم أيام العيد مثل أيام الأسبوع''، ويسترسل محدثنا في كلامه ''لم يكن مشكل ندرة المواد الغذائية رغم عدم توفرها على الشكل الذي تتوفر عليه اليوم، مطروحا في هذه المناسبات، حيث نجد المخابز تقدم أحسن الخدمات، كيف لا والعائلات الجزائرية المعروفة بكثرة تبادل الزيارات لا تدخل منزل قريب أو صديق دون تقديم له علبة الحلوى أو المشروبات''، يضيف ''اليوم عندما تريد أن تزور قريبا في يوم العيد عليك أن تحسب للأمر مسبقا، نلجأ إلى تخزين كل ما نحتاجه خلال أيام العطل خاصة العيدين''·أحد الإطارات الذي تحدثنا إليه حول هذا الموضوع، أكد لنا أن عواصم العالم وعلى وجه الخصوص الإسلامية منها، تُوفر لمواطنيها ظروف راحة وترفيه حقيقية وتساهم في إضفاء أجواء احتفالية مبدعة على ليالي وأيام الأعياد، حيث ترسم شوارعها الرئيسية وطرقاتها ومداخلها لوحة فنية رائعة، وذلك بتزيينها بالأضواء المتلألئة والأعلام التي تحمل شعار الحدث للدلالة على الأجواء الاحتفالية بهذه المناسبة وتجعل الجميع يعيش أجواء رائعة مملوءة بالبهجة والفرح، أما المراكز التجارية فتفتح أبوابها للزوار، وتنظم لهم مسابقات تمنح فيها جوائز، من خلال العروض التجارية الامتيازية التي تقدمها لهم·أماكن ترفيه قليلة·· والمتعة لمن استطاعما يزيد أجواء العيد بالنسبة للجزائريين مللا، هو قلة أماكن الراحة والترفيه، ماعدا بعض الأماكن العمومية التي تعد على أصابع اليد كالحديقة العمومية للتسلية ببن عكنون أو برج الكيفان أو ساحة ''الكيتاني'' التي مازالت تحتفظ بعادات العيد منذ زمن بعيد وهي الوحيدة التي تصنع فرحة وبهجة الأطفال، وتشهد إقبالا كثيفا للمواطنين قادمين حتى من الولايات الوسطى المجاورة·فرغم كثافة هذه الأماكن إلا أن أكبر عدد من العائلات لا تملك الإمكانيات المادية التي تسمح لهم بالذهاب إليها، باعتبار أن وسائل النقل أيام العيد، هي الأخرى حدّث ولا حرج، إذ يتعمد أصحاب وسائل النقل الخاص الذين يشكلون أكثر من نصف حظيرة النقل في الجزائر، إلى تقليص الخدمات ضاربين عرض الحائط بكل التعليمات والتوجيهات·وللأسف يُحرم أطفال العاصمة الجزائرية من الاستمتاع بأجواء العيد الاستثنائية، فأين هي تلك الساحات المنتشرة في كل حي تتضمن استعراضات فنية وفكاهية متحركة، عرض مختلف الألعاب، الرسم على الوجوه بالألوان، عروض البالونات وعرائس الفارافوز؟ وعلى العموم شهد اليوم الأول من يوم العيد إغلاق أبواب دور السينما وبعض الحدائق وأماكن الترفيه، مما جعل معظم الجزائريين يقضون يومهم في النوم بعد صلاة الجمعة، وأيا كان عندما تسأله كيف قضى يوم العيد الأول، يجيبك مباشرة بدون تفكير ''انتابني التعب الناتج عن الملل، قضيت نصف اليوم في النوم ومتابعة ما تبثه القنوات التلفزيونية''·