ندرة حادة في العرض وارتفاع قياسي في الأسعار بفعل المداهمات نجحت السلطات الأمنية بشكل ظرفي في الإجهاز على السوق السوداء للعملة التي سببت طوال أعوام صداعاً للحكومات المتعاقبة في البلاد دون أن تجد لها حلا نهائيا. لكن "النجاح" الأخير الذي تحقق بفضل إجراءات صارمة اتخذها الجهاز التنفيذي لمراقبة فضاءات البيع غير الشرعية لم يخل من تداعيات سلبية كبيرة على قطاع واسع من المواطنين وخاصة المرضى والمعتمرين والمسافرين والأجانب الذين لم يجدوا "بديلا" لدى البنوك والمؤسسات المصرفية في شراء العملات الأجنبية. ويبقى قرار الحكومة الرافض لتحرير صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية من خلال "التريث" في منح تراخيص بإنشاء مكاتب صرف وضعف قيمة منحة السفر التي يمنحها بنك الجزائر للمواطنين الراغبين في السفر إلى الخارج وتقدر ب130 أورو 139 دولارا سنويا، من بين أكبر "العوائق" التي يواجهها الباحثون عن العملات الأجنبية. تسجل أسعار صرف العملات الأجنبية في العاصمة والولايات الكبرى هذه الأيام ارتفاعا قياسيا لم تعرفه من قبل، بفعل المداهمات الأمنية المتقطعة للأسواق الموازية حيث وصل سعر صرف 100 أوروبين 15900 دينار و16000، وهو سعر قياسي لم يسجل منذ سنوات في الجزائر. وقد اختلفت تبريرات الناشطين في "البورصات" غير الشرعية حول هذا الارتفاع، والذي برره البعض بندرة العملة الصعبة في الأسواق،بفعل عزوف الباعة عن عرض العملات خشية حجز أموالهم من قبل وحدات الشرطة بصفة استعراضية مثلما حدث قبل أسبوعين. ومن الأسباب التي جعلت صرف العملات تشتعل هو إعادة انتعاش رحلات العمرة، حيث تعرف الوكالات السياحية نشاطا كبيرا لنقل المعتمرين الذين لا يجدون سوى الأسواق الموازية لشراء العملة الصعبة. وتعد هذه الفئة إلى جانب المستعدين للحج والمرضى وحتى العمال والرعايا الأجانب من بين أكبر ضحايا حملة الإجهاز على سوق العملات الأجنبية في الفضاءات غير الرسمية مثلما أكده البعض منهم في تصريحات لÇالبلاد" حيث وصفوا خطوة السلطات بغير المدروسة كونها خلفت ضحايا في تزايد ومنهم مرضى لا يتحملون التأخير في السفر دون أن تحل المعضلة أو تجد بدائل للفئات المتضررة. وقد تحدث أحد العارفين بأسواق العملة الصعبة في سوق ‘'المحطة'' بعنابة عن وضعية السوق التي تعرف صعوبة كبيرة في التمويل، خاصة بعد أن شددت شرطة الحدود الخناق على كبار المهربين. ويبقى النظام البنكي في الجزائر من أكثر الأسباب انتشارا لهذه الآفة التي ستتنامى أخطارها كثيرا، إذ لم نعالج الأمر بجدية ولم نجد البدائل اللازمة لها، خاصة أن قيمة العملة الأجنبية المتداولة في السوق الموازي تقدر بمليارات الدولارات. وتعد السوق السوداء المقصد الأول للجزائريين من أجل شراء العملة الصعبة، والتي يحدد أسعارها التجار بطريقة "عرفية" في ظل غياب سياسة صرف رسمية تتسم بالليونة. ويعد ضعف قيمة منحة السفر أحد أهم أسباب إقبال الجزائريين على السوق السوداء، والتي شهدت تطورا في السنوات الأخيرة في ظل عدم اعتماد مكاتب الصرف منذ إقرار القوانين المنظمة لذلك في أواخر عام 1996. ومنذ ذلك الوقت تواجه الحكومة انتقادات لعجزها عن وضع حد للسوق السوداء لتجارة العملات، والتي تتغذى من تحويلات المغتربين، والمتعاملين الأجانب، بالإضافة إلى جزائريين، وشكلت بديلا عن المصارف. ويكون القضاء على سوق الصرف السوداء حسب خبراء المالية والاقتصاد عبر إسراع الحكومة في إيجاد بدائل لهذه السوق، وذلك من خلال تفعيل القانون الذي يسمح بإنشاء مكاتب صرف قانونية. ويرى هؤلاء أن قيمة منحة السفر الزهيدة جدا لا تكفي لقضاء يوم واحد في أية دولة خارج الجزائر من أهم أسباب تطور السوق الموازية، داعين إلى ضرورة مراجعة قيمة المنحة ورفعها وفق أسس مدروسة ومعقولة. ويبقى السؤال الجوهري في القضية، حسب المراقبين، متعلقا بمصدر العملات الأجنبية التي يتم تداولها في السوق السوداء، لأن القضاء عليها لا يكون إلا عن طريق تجفيف منابع هذه السوق.