الأمثلة كثيرة ومتداولة لحد أنها لم تعد تثير أحدا تماما كأعمدة كهرباء سونلغاز ! قل لي من تصاحب أقول لك من أنت... قل لي ماذا تقرأ أقول لك أيضا من أنت... أما إن أضيفت إليك ماذا تشاهد كأن تجري وراء مواقع الجنس وأخبار زنا المحارم ثمّ تعرج على شيء من القرآن والحديث فأنت ولد حرام تريد أن تظهر بمظهر المصلح الإمام ! فماذا لو قيل لكم إن أحمد أويحيى اشترى من معرض الكتاب ''نهاية العالم''! منذ أن انتقل المعرض الدولي للكتاب إلى الخيمة القذافية في نسختها البالية لتزاوج ملاعب الكوارجية، أعترف لكم بأنني لم أزره، حتى وإن كنت من أنصار الأمير عبد القادر في مدحه لعيشة الخيام. وليس كما قال أبو نواس في محبوبته التي تجعله يرى الكلب شيطانا، حاشا لدرة (خمرة) أن تروح عليها الإبل والشاة ! وهذه صورة من صور حياة العرب والأعراب التي تخالف حياة المدن والتمدن والمدنية أيضا! والمهم أن الذين زاروا الخيام التي تجرى من تحتها الكتب وهم بالآلاف المؤلفة من طلبة وأولياء تلاميذ وتجار / أو ما يدحض كل تقارير الغرب عن جهلنا وجهالنا، فليس فينا لا أبا جهل ولا حمالة الحطب ولاحتى نقالة الدوفيس باتجاه باريس! بل إن القول إن الجامعات عندنا خارج التصنيف الدولي حكم باطل، والدليل على ذلك هذا الكم الهائل من الكتب التي تخرج ملفوفة ومتفرقة في مناظر تشبه أيام سوق الفلاح والتكلاح... وهذا بالطبع بالنسبة لعموم الناس الذين يسمون مواطنين. أما المسؤولون فلا تسألوا عنهم إن كانوا غائبين، فهؤلاء تصلهم حصتهم وكوطتهم مسبقا وسلقا قبل أن تدخل الديار، وهو دليل على شغفهم بالعلم لأنه الوحيد الذي يصلح الأمم. وهم بعثهم ربهم ليكونوا مصلحين لنا وقوامين وعلينا الطاعة والاستجابة وإلا فالعصا والفلقة! ميزيريا وبتزيريا أين تذهب كل هذه الكتب ومصدرها الخارج بالأساس تماما كما هو حاصل مع غذاء الجسد؟ ثمة عدة احتمالات هنا - قد تذهب لتزيين الرفوف والمكتبات الشخصية، خاصّة أن الطباعة اللبنانية مثلا عكس الجزائرية والمصرية تغرى بالاقتناء للزينة أيضا! يشتريها (الكتب) أصحابها لكي يقال عنهم إنهم مثقفون، حتى وإن كان إجماع عام على كون المثقف صفة مرادفة في هذا المجتمع ''للميزيريا''. وشتان بين هذا وبين مالك بتزيريا! جزء من هذه المقتنيات يذهب بالطبع لتغذية الراس، وهو القصد والغاية التي تؤلف من أجله الكتب فماذا يقتني الجزائريون بعد أن ثبت بأن السوق مفتوح على مصراعيه... مع بعض الاستثناءات التي تطال كتب دين وسياسة؟ هذا هو بيت القصد؟ والأجوبة كما تبدو من المشتريات تكاد تكون متطابقة على مدار العشرين عاما الماضية، وربما بعد عشرين آخرى حين يصبح بعضنا من أصحاب القبور بعد أن كانوا من أصحاب الحجور أو القصور! فالكتب الدينية تأتي في الصدارة والمقدمة وبدون منازع، وهذا أمر لايفاجئ دور النشر العربية وتحزن نظيرتها الفرنسية، فهي تدرك بأن الكتاب الديني لايباع بهذه القوة إلا في الجزائر مثلما تدرك القنوات الفضائية أن المشاهد الجزائري هو الأكثر تتبعا لبرامج الدين والجنس معا (مع المغربي) حسبما تقول دراسات فوفولية نسبة إلى الشيخ فوفل محرك البحث في الأنترنيت الشهير ! لكن الملفت للانتباه هذا العام كما يقولون إن الكتب الخاصة بالتاريخ (العام والخاص) حازت على نصيب غير مستهان، وقد يكون السبب أن مناطق هلّ كبيرة بدت بدون جواب إلى الآن. والحمد للّه أن اتجاهات الجمهوري لم تبحث في موضوع الديناصور الذي هو رمز من رموز التاريخ القديم في عصور الأولين وربما الآخرين - إن نسي البعض لأن الدنياصورات عند العرب وعندنا يزدادون ولايتناقصون كما يتصور البعض بعد أن تسمروا في الكراسي، وهم غير مبالين بالمآسي على طريقة غريق النهر الذي يحمله التيار (صيفا) وهو يغني ما أحلى البرودة، أو حتى ما أسخن الجو (والكرسي) المائي! علامات الساعة!! ضمن أشهر الكتب الدينية الأكثر مبيعا يوجد كتاب تحت عنوان ''نهاية العالم'' وهو قد يكون بالضرورة نسخة مكتوبة من الفيلم المعروف ''أبوكليبس ناو'' يعني قيام الساعة (وحتى الدقيقة)! والكتاب لمن اطلع عليه يتحدث عن ياجوج وماجوج والحرب الطاحنة التي دارت بينهما وعن علامات أخرى تنبئ بأن موعد ''محمد خذ حقيبتك''، ''وزاورتك'' قد حان! فما الذي يجعل الجزائري أكثر ميلا للحديث عن الآخرة وأهوالها إلى حد الهلوسة؟ هذا الموضوع يطرح إشكالية كبيرة رأينا مثلها في التاريخ وفي كتب التاريخ أيضا فكلما زادت ضغوط الحياة وانتشر الفساد وكثر الطغاة والمنبطحون والمتسلقون ظهر تيار معاكس يدعو للزهد والورع والتعلق بالحياة الأخرى باعتبارها الدار الباقية، وهي خير من الفانية وهو ما يحصل الآن فكل التقارير الدولية ترتب البلاد في المراتب الأخيرة في الرشوة واختلاس المال وتهريبه وفي مجال حرية التعبير والرأي وتكوين الأحزاب والتنظيمات النقابية، ومستوى المعيشة وغلاء الأسعار والعنف والإرهاب! وهذه المعري وهو شاعر فيلسوف ''هذا ما خبأه أبي علي'' وماخبيت على أحد (ظل أعزب ولم ينجب ولدا) أو كما قال ''سئمت تكاليف الحياة...'' فهل يكون وزيرنا الأول والأخير أحمد أويحيى وهو وجه للنظام بكل شطحاته وسلبياته وإيجابياته أيضا من هذا النوع المتشائم، وأكثر من هذا هل يكون حتى هو اشترى كتاب علامات الساعة ليتأكد بنفسه من أنه أخطأ فقد قال لنا مثلا إن النظام موحد، يقصد إنه لا يوجد فرق بين أركانه وركائزه، وأن هؤلاء كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا غير قابل للإنهيار ولوضربه زلزال بدرجة 8 درجات على سلم ريشتر.. الأجوبة الأكثر احتمالا أن أويحيى رمز السلطات والنظام غير متشائم وهو الذي زعم بأن الرشوة يقصد السرقة لا تعقد حكومته (متعودة على رأي المصريين القدوة والنموذج). والشيء الأكيد أنه لم يقتن كتاب ''نهاية العالم'' ولا يريد أن يقرأه فهذا سيذكره بعقاب شديد لخيانة الأمانة، وتضييع المسؤوليات لأن الراعي في الحكومة كما في المراعى مسؤول عن رعيته! اللغز فقط مطروح مع الزبائن والدراويش الذين يضيّعون وقتهم في التساؤل عن علامات الساعة، وهم يرونها أمامهم بأم أعينهم خاصة أن معظمهم يقرأون معنى الحديث الشريف الذي يقول ما معناه إذا وليت المسوؤلية لغير أهلها فتلك علامات الساعة''.