بدأت وفود 195 دولة مشاركة في المؤتمر الدولي للمناخ بباريس اليوم، مفاوضاتها بعد إلقاء قادة الدول خطاباتهم، سعيا للتوصل لاتفاق لمكافحة الاحتباس الحراري، وسط أنباء عن ظهور بوادر خلاف مبكرة. ويسعى المفاوضون من جميع الدول في المؤتمر -الذي يستمر أسبوعين ويشارك فيه عشرة آلاف مندوب ومراقب وصحفي- إلى التوصل إلى اتفاق تلتزم بموجبه الأسرة الدولية بمكافحة الاحتباس الحراري ومساعدة الدول الفقيرة في مواجهة تداعياته. وقال مندوب أوروبي إن "الأمر سيكون صعبا. مشروع الاتفاق طويل وينطوي على الكثير من الخيارات. فبأي وتيرة يمكن أن تتقدم المفاوضات؟"، في إشارة إلى المداولات التي تطول عادة وتراوح مكانها، وهو ما أثبتته جولات التحضير للمؤتمر التي استمرت طوال عام 2015. وقالت سيلييا غوتييه الخبيرة في السياسات المناخية لدى "شبكة العمل حول المناخ" التي تضم 900 منظمة غير حكومية، "كل الخيارات مطروحة. كل شيء ممكن. الأسوأ وكذلك الأفضل"، مضيفة أن "الخطابات أوجدت ديناميكية مهمة، لكن يتعين بذل جهود كبيرة للتوصل إلى اتفاق على مستوى الرهانات". وكرر نحو 150 قائد دولة في لوبورجيه النداءات من أجل التحرك ضد ارتفاع حرارة الأرض، من الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ مرورا برئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي. وكانت كثرة الحاضرين لهذا المؤتمر لافتة، إذ لم يشهد أي مؤتمر بشأن المناخ من قبل هذا المستوى من المشاركة على صعيد قادة العالم، وهو ما يمكن أن يعتبر مؤشرا على وعي غير مسبوق بمخاطر الاحتباس الحراري. وقال الرئيس الفرنسي الذي تترأس بلاده المؤتمر الحالي، مخاطبا قادة الدول "من المطلوب أن نقرر هنا في باريس مستقبل الكوكب"، وربط بين الجهود الدولية المبذولة في الحرب على الإرهاب وتلك المبذولة لمحاربة الاحتباس الحراري العالمي. ودعا الرئيس الأمريكي الذي تعد بلاده ثاني ملوث في العالم بعد الصين، نظراءه إلى "أن يكونوا على مستوى التحدي"، والعمل منذ الآن من أجل ضمان مستقبل البشرية. وناشد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المؤتمر عدم الاكتفاء بأنصاف الحلول، وقال متوجها إلى قادة العالم "لا يمكنكم السماح لأنفسكم بالتردد واتخاذ أنصاف تدابير.. إن التاريخ يناديكم، وأناشدكم التلبية بشجاعة ورؤية". ويتضمن النص المطروح خمسين صفحة موزعة على فصول رئيسية، من أهمها خفض انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة، وهو هدف بعيد المدى، والتكيف مع التغير المناخي وتمويل سياسات دول الجنوب على صعيد المناخ، وآلية لرفع التزامات الدول بصورة منتظمة وغيرها. ومن المتوقع أن تكون المفاوضات شاقة لأن جميع البلدان وضعت "خطوطا حمرا"، خاصة أن مواقف المفاوضين تكون أحيانا متباعدة جدا، بحسب مدى اعتماد الدول على مصادر الطاقة الأحفورية "الفحم والنفط والغاز" ومستوى التطور وموارد كل بلد. وقد ظهرت بوادر الخلاف منذ اليوم الأول حول عدة قضايا كإلزامية الاتفاق المنتظر والالتزامات المالية الناتجة عنه وغيرها. واختلفت وجهات النظر بشأن مدى الالتزام بتعهدات تمويل الدول الناهضة لمساعدتها على مكافحة التغير المناخي. وتباينت الرؤى أيضا بين الدول الصناعية والدول الناهضة، حيث ترى الأخيرة أن من حقها استكمال مسيرتها في التصنيع دون تحمل أعباء مكافحة التغير المناخي. وعلى هامش المؤتمر، يعقد الرئيس الأمريكي -قبل العودة إلى واشنطن- مؤتمرا صحافيا وسط أوضاع دولية شهدت سلسلة من الاعتداءات الإرهابية وفي ظل توتر حاد بين أنقرة وموسكو. ومن جانبه يشارك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في قمة مصغرة مع رؤساء حوالي 12 دولة أفريقية بشأن موضوع "التحدي المناخي والحلول الأفريقية". وكذلك جرت العديد من اللقاءات الثنائية على الهامش، مثل لقاء الرئيسين الأمريكي والروسي، ومصافحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأشارت تقارير إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأخر عن الصورة الجماعية للزعماء حتى يتجنب لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.