عندما أعلن مؤسس الجماعة السلفية للدعوة والقتال انخراطه في مساعي ميثاق السلم والمصالحة في أول ظهور إعلامي له سنة2005، تباينت وجهات نظر المتتبعين للشأن الأمني حول موقع حطاب في الجماعة السلفية للدعوة والقتال، بعد المنعطف التاريخي في مسار الرجل بين قائل إن حطاب فقد تأثيره على رفقائه وبين قائل إن الرجل لازال يحظى باحترام كبير في صفوف المسلحين في الجبال. ولكن لما كان لسيناريو الوئام المدني وقعه على طريقة استكناه المتتبعين للمشهد الأمني في الجزائر وقراءاتهم المستقبلية لسيرورة الأحداث راح أغلب هؤلاء يقللون من شأن إمكانية أداء حطاب لدور بارز في إقناع المسلحين من عناصر السلفية بضرورة إعلان الطلاق البائن مع خيار المغالبة المسلحة. ورغم مرحلة ''السبات'' التي أعقبت خرجتي حطاب الإعلاميتين سنة 5002، توقع أصحاب القراءة الإيجابية لمسعاه فشل هذا الأخير في تحقيق ما يصبو إليه مهما كانت الجهود التي يبذلها. بينما استقر رأي أصحاب القراءة السلبية على القول إن حطاب عالج حالته الخاصة بانخراطه في مسعى السلم والمصالحة، إلا أن البيانات الأخيرة التي أصدرها ''أبو حمزة'' ثم نداء أربعة من كبار القادة الميدانيين للسلفية تأتي لتؤكد صدق ما كشفه في أول حوار معه على صفحات ''الشرق الأوسط'' حين قال ''ثمة عمل كبير ينتظرني''، جاءت لتوحي أن تلك المرحلة لم تكن سباتا، بقدر ما كانت وفاء بالتزام كان قد قطعه على نفسه ولكن بعيدا عن الأضواء الكاشفة ولعل الأعداد الهائلة والنماذج النوعية من المسلحين الذين أُعلن عن نزولهم من الجبال عبر كل تلك السنوات تأتي مرة أخرى لتدعم الرأي القائل إن مسعى حطاب خلال كل المرحلة التي ظُن إنها مرحلة سبات لم تكن كذلك، ومن ثمة أخطأ الذين توقعوا لحطاب الفشل بادروا إلى القول إنه ليس في إمكان مؤسس السلفية أبدع مما كان. وعودا على بدء، فإن البيانات التي أصدرها حطاب أو القادة الميدانيون الذين شاركوه العمل المسلح والانخراط في مسعى المصالحة، تؤكد أن حطاب الذي قبل بمسعى المصالحة استطاع أن يجر خلفه كبار القادة للالتحاق به. وسيكون من نافل القول إن ''مصعب أبو داود''، أمير المنطقة التاسعة، وأبو حذيفة المدعو ''عمار المارشال''، أمير جند بالمنطقة الخامسة بتبسة، إضافة إلى ''عمر عبد البر''، رئيس اللجنة الإعلامية، وكذا ''أبو زكريا''، رئيس اللجنة الطبية، لم ينزلوا مع حسان حطاب في نفس التوقيت. وعليه سيكون السؤال لماذا لم يعلن عنهم للرأي العام في نفس الوقت مجرد لغو. وعلى هذا الأساس، يتبين أن حطاب خلال كل المرحلة السابقة كان قد قام بجهود كبيرة ومعتبره لإقناع كبار تنظيم السلفية بالالتحاق به وهو ما تأتى، حيث أضحى هؤلاء من صناع المصالحة يساعدون حطاب على إقناع غيرهم ولعل قيمة المسعى الذي باشره حطاب في كل هذه المرحلة تتمثل في أن هؤلاء القادة الأربعة ليسوا من ''حرافة ببرج البحري''، حيث مسقط رأسه، بل على الأقل اثنان منهم قادة مناطق، ما يفهم منه أن حطاب استهدف شمولية مسعاه وانتشاره على الأقل في المناطق المتواجد فيها تنظيم السلفية عبر مختلف مناطق الوطن دون الاقتصار على منطقة الوسط والوسط الشرقي، حيث قوة نفوذه وبعدما أعلنت جهات رسمية عن عدد معتبر من المسلحين الذين سلموا أنفسهم لمصالح الأمن وكذا عدد الذين تم القضاء عليهم وتزامن ذلك مع دعوات كان قد أطلقها الرئيس بوتفليقة بمناسبة الحملة باتجاه المسلحين، بضرورة ركوب سفينة المصالحة واغتنام الفرصة الثمينة التي وضعت بأيدي المسلحين للخروج من متاهة الإرهاب، توقعت كثير من المصادر نزولا جماعيا في صفوف المسلحين من الجبال. وجاءت رسالة القادة الأربعة وقبلهم رسالة مؤسس السلفية لتؤكد هذا الاتجاه والدعوة إلى القول مجددا إن كل هذه الحركية تندرج في سياق استكمال حلقات نزول جماعي مرتقب من قبل المسلحين، في سياق سيناريو كامل متكامل يصب في نهر المصالحة ويهب في أشرعة ميثاق السلم، بحيث تأتي النداءات المتكررة لحطاب أو القادة الآخرين ليس لتقنع المسلحين بضرورة العودة إلى الديار، بقدر ما تأتي لتشكل مخرجا وتضفي شرعية ومشروعية على مسعى جماعات مسلحة اكتمل نصاب قناعتها بضرورة العودة إلى الديار وإعلان الطلاق البائن مع خطأ المواجهة المسلحة، ما يوحي أن غلق قوس السلفية في الجزائر أضحى مسألة أيام تزيد أو تنقص. وللتأكيد على أن جهود حطاب وأصحابه قد أثمرت حركية كبيرة ويرتقب أن تزداد حركيتها، فإن مصادرة مؤكدة جزمت بأن عائلات المسلحين قد رمت بثقلها للدفع بعجلة المصالحة إلى الأمام لتصل إلى أبنائهم القابعين في الجبال من خلال سعي هذه العائلات الحثيث لإقناع أبنائهم المترددين في الالتحاق بالمساعي التي باشرها حطاب لحقن الدماء وحفظ الأرواح. وما كان لتلتحق العائلات بهذا المسعى لولا لم تلمس مؤشرات قوية من أبنائها وذويها الموجودين في الجبال تؤكد أنهم لا ينتظرون إلا من يضفي على قرارهم الشرعية للنزول من الجبال وتطبيع علاقتهم مع المجتمع، لأن العائلات ما كانت لتنخرط في مسعى من هذا القبيل لو أنها علمت أن المسلحين لايزالون على موقفهم الرافض للمصالحة لأن ذلك من شأنه أن يكلف هذه العائلات متاعب جمة، كما يكلف هؤلاء المسلحين متاعب لا تقل خطورة عن خطورة ما قد يلاقيه ذووهم.