انتهى رهان الدورة الثالثة للجنة المركزية للحزب العتيد إلى ''حسم'' واضح لصالح الأمين العام عبد العزيز بلخادم في مواجهة ''الغاضبين''، كما يسميهم هو، أو''التقويميين''، كما يحلو ل''جماعة خالدي'' أن تصف به من قرر اتباعها·فقد نجح عبد العزيز بلخادم خلال الدورة الأخيرة للجنة المركزية لهذه السنة في إبراز كفاءته في ملء جميع جوانب منصب الأمين العام للحزب العتيد ب''تطويع'' مختلف المسؤوليات الحزبية الملقاة على عاتقه، وأقلها الانسجام والتناغم بين أداء دور رجل التنظيم ورجل السياسة، وذلك عندما شدد بلخادم على الظهور بوجه الرجل المحترف تنظيما وسياسة، وهذا خلافا ل''الكليشيه'' المسوق عن صورته بحصره في خانة الرجل السياسي الميال إلى ''التوافقات'' و''أنصاف الحلول''، مما أدى منذ عقود من الزمن وفي الكثير من الأحيان إلى اهتزاز الحزب جراء تشتت مراكز القرار فيه·وقد بدت قوة بلخادم وتحكمه في سيره على العديد من الجبهات التنظيمية والسياسية وكذا الإستراتيجية على المديين المتوسط والبعيد، حيث تضمنت كلمته ''المفتاحية'' العديد من الرسائل السياسية على غرار التضامن السياسي واستصحاب العهود والانسجام والتبصر والتريث، فضلا عن مهارة الصناعة السياسية التي ظهر بها بلخادم، وهو ''يحيد'' كبار الحزب من أمثال عبد الرزاق بوحارة في ساحة الفكر، اعتمادا على ديمقراطية وشفافية في التعاطي مع ما طرحه كل من بوحارة وبوخالفة، حيث اختار بلخادم أن يكشف أمام وسائل الإعلام عن مختلف المراسلات والردود السريعة التي جرت بينه وبين بوحارة وبوخالفة، حول ''التحفظات'' التي أبداها الرجلان بشأن سير الحزب ولم ير بلخادم ضيرا من قراءة بعض المقاطع من رسالة الرجلين على أعضاء اللجنة المركزية، قبل أن يحسم ب''إنعاش'' ذاكرة الرجلين بأنهما كانا ضمن الفريق الذي اتخذ القرارات في الحزب وعبر كل المراحل وفي مختلف المستويات قبل المؤتمر التاسع، ومع ذلك فضل بلخادم أن يبدي تفهما واحتراما كبيرين لما طرحه الرجلان من حيث الشكل عندما جاء في الأطر النظامية، وبذلك انتهى بلخادم إلى نزع فتيل تقاطع مصالح بوحارة وبوخالفة مع المغردين خارج السرب ''الأفلاني'' وكأنه يجري عملية جراحية دقيقة·على هذا الأساس، لم يجد بلخادم بدا من تحريك الآلة النظامية والأطر التنظيمية والانضباطية وهو يتحدث دون تشخيص وتسمية عن الذين أتعبوا أنفسهم في إقحام الحزب في معركة ليست معركته، مؤكدا أن الحزب لن يتسامح مع الذين شهّروا به في وسائل الإعلام، تطبيقا لقرارات المؤتمر التاسع الذي أعلن القطيعة مع منطق التغاضي عن التجاوزات، مما أسفر عن تجميد عضوية هؤلاء بناء على توصية من لجنة الانضباط التي يرأسها عمر الوزاني، النائب عن ولاية المدية، حيث وافق أعضاء اللجة المركزية على تجميد عضوية كل من الهادي خالدي ومحمد الصغير قارة· وانتقل بلخادم بعد ذلك إلى مخاطبة عبر اللجنة المركزية مناضلي الحزب داعيا إياهم إلى الخروج من ''الدورة التنظيمية'' والارتقاء بالأداء والهمم والاهتمامات لمستوى حزب يريد ويجب عليه أن يبقى يؤدى الأدوار الأولى في الحياة السياسية في الجزائر وعلى المستوى المحلي والإقليمي، دون أن ينفي عن مناضليه مشروعية الرغبة في التموقع ولا مشروعية التنافس، غير أنه استطرد معتمدا على إحدى عباراته المفتاحية في كلمة الافتتاح بالتأكيد ''أن المناضل في حزب جبهة التحرير الوطني تحكمه التزامات تجعل مصلحة الحزب فوق كل مصلحة وانضباط حزبي له إجبارية الطاعة''·كما عرج أمين عام الحزب العتيد، في ثنايا حديثه، على تسليط الضوء على رهانات الحزب في انتخابات 2012 التشريعية والمحلية، ولسان حاله يرد في هذا السياق على الذين يريدون إقحام الحزب في معترك سابق لأوانه ودون إعداد ولا عدة، ليحط بالجميع على أرض الواقع والواقعية دون القفز على المراحل الانتخابية المختلفة والتي على ضوئها يتحدد موقع الحزب· وفي هذا الإطار، دعا بلخادم ''إلى المراجعة الشاملة والدقيقة لتجربة انتخابات 2007 والاستفادة من ثغرات الحزب''، ليخلص إلى القول إن الحزب العتيد ''يتحمل مسؤولية الجماهير ولا يمكن إلا أن يكون في المستوى الذي يجعله في مواقع القوة وفي القيادة التي هي حق تاريخي ولن نسمح لأنفسنا بالتراجع عن هذا الدور''·