تاريخ الجزائر مليء بالصولات والجولات الدبلوماسية الناجحة لحل أعقد القضايا والنزاعات في العالم ، بين العراقوإيران سنة 1975 وبين اريتريا وإثيوبيا ، وأزمة الرهائن الأمريكيين في طهران سنة 1981 والتوسط بين المنظمات الفلسطينية والدول الغربية في السبعينات ، وغيرها من النزاعات والقضايا الدولية الشائكة ، وطبعا النجاح الدبلوماسي يعطي الدولة مصداقية دولية ويجعلها تحظى باحترام وتقدير واسع ، كما يمكنها لاحقا من استثمار هذا النجاح في تعزيز علاقاتها مع الدول من الناحية الاقتصادية والسياسية . أثبت الاتفاق الأخير لمنظمة أوبك على هامش اجتماع منتدى الطاقة الدولي في الجزائر والذي توصل الى خفض للإنتاج لأول مرة منذ سنة 2008 ، ما سيحسن مستقبلا من أسعار النفط أن للجزائر القدرة على تفكيك أعقد القنابل الدبلوماسية ، خاصة بين دولتين كانتا رأس حربة الصراع داخل أوبك أي السعودية وإيران ، وفي هذا الخصوص تظهر للجزائر العديد من المميزات لتكون أفضل وسيط بين الدوليتين ليس في النفط فقط بل في كل القضايا العالقة الأخرى . تعيش منطقة الشرق الأوسط كما يعلم الجميع حرب شرسة بالوكالة بين إيران والسعودية في العراق واليمن وسوريا واشتباك سياسي في لبنان ، وقد تم قطع كل الاتصالات بين البلدين عقب أزمة فاجعة منى في موسم الحج الماضي والتي شهدت مقتل مئات الحجاج الإيرانيين وما أعقبها من حرق القنصلية السعودية في مشهد لترد المملكة بقطع العلاقات مع طهران . للجزائر أفضلية واضحة على كل الدول العربية في لعب دور الاطفائي في الشرق الأوسط، وتخفيف حدة الاحتقان على الأقل ، مستندة في ذلك على عدة اعتبارات تاريخية وجغرافية وحتى اقتصادية ، بالحديث عن التاريخ تملك الجزائر رصيد دبلوماسي لامع في حل الأزمات ما يجعلها طرف يحظى بالمصداقية والثقة لضمان أي اتفاق ، وجغرافيا تبتعد الجزائر عن تفاصيل الأزمات في الشرق الأوسط حيث لا ترتبط بتحالفات مع الأطراف المتقاتلة ما يمكنها من لعب الدور الوسطي بكل أريحية ، وحتى من الناحية الاقتصادية تظهر الجزائر باعتبارها من الدول العربية القليلة التي لا تستقبل مساعدات خارجية من السعودية وهو ما كان ليؤثر على أي جهد دبلوماسي تقوم به ، ثم أخيرا تعلم المملكة العربية السعودية أن الجزائر في الأخير دولة سنية خالصة وتعتبر أمن المملكة والحرمين خط أحمر لا يمكن السماح بتجاوزه وأثبتت أزمة منى موقف الجزائر المتضامن مع السعودية ومع إدارتها لموسم الحج على عكس ما كانت تطالب طهران. وظهرت مؤخرا العديد من الأصوات العاقلة في المنطقة تدعوا الجزائر للقيام بهذا الدور لتجنيب العرب والمسلمين مآسي أخرى في ضل الوضع الرديء الذي نعيشه منذ عدة سنوات ، فسياسة الانسحاب والنأي بالنفس التي انتهجتها الجزائر للابتعاد عن الفتن الملتهبة في الشرق الأوسط أثبتت عدم جدواها بل يمكن أن تؤثر على صورة الجزائر وتعرضها لمواقف حرجة كما كان يحدث في اجتماعات الجامعة العربية عند التصويت على القضايا الخلافية بين المعسكر السعودي من جهة ومعسكر إيران وحلفائها العرب من جهة أخرى حيث تم تصنيف الجزائر مع النظام السوري والدولة العراقية الطائفية ولبنان الواقع تحت سيطرة حزب الله ، ما اضطر الرئيس بوتفليقة لإيفاد مستشاره الخاص الطيب بلعيز للمملكة العربية السعودية لتوضيح اللبس للملك سلمان ، بأن الجزائر لا ترتبط بأي حلف أو اصطفاف وإنما تصوت بحسب قناعاتها فقط . للتواصل مع الكاتب من خلال صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك": https://www.facebook.com/anesdjemaa/ أو من خلال البريد الإلكتروني: [email protected]