ليس من الضروري أن يكون شرط الإبداع الشعرى العربى مدلولا على الهوية النوعية للمبدع؟ لا سيما ومنذ تدفق نهر الشعر العربي كانت ذكورية الإبداع الشعري وفحولته هي المظهر التعبيري عن الحالات الإنسانية بكل تقاطعاتها، وبالرغم من أن الأنثى شكلت اختراقات عديدة لهذه الظاهرة وكسرت تراتبية الإيقاع الواحد في الشعر العربي فقد ظلت هذه الاختراقات بكل خصوصياتها تأتي بصورة متقطعة وغير مكتملة الحلقات. الشاعرة سامية بن عسو تملك من شغف التحدث بمشفرات الشعر واللعب على موسيقى الضد وعكسه الشيء الكثير، وهي أيضاً من اللواتي يستطعن إيجاد ضرورة في جعل الشعر رسالة نوصل بها صوتنا وطموحنا وموهبتنا هذا ما تحدثت عنه في حوارها ل "البلاد" لن نقول من هي سامية بن عسو بكل تأكيد، سنقول كيف تشكلت سامية بن عسو شعريا؟ تبقى العلاقة بين الأنا الكاتبة والكتابة بكل أجناسها طردية، فبقدر ما تمنحنا تبذلنا.. الكتابة هي العالم الوحيد الذي تفجر طاقاتك فيه، وتحث بشكل لاإرادي عن قلق جديد، أن الذات الكاتبة القلقة هي المحرك الوحيد لكل عوالم الكتابة، العقل الذي ينتج المتون لا يجنس، بفرط استقطاب، استطاع الرجل أن يمتص جماليات الفنون بكل أجناسها من خلال النظرة الواحدة للجمال، كمنتج إنساني فإن الابداع أو الإبداعية يشترك فيها الرجل والمرأة على حد سواء، فالكتابة كنص جمالي بأبعاده وكمنتج يلخص العلاقة بين المرأة والرجل وبالتالي ما عبرت عنه الإنسانية، لا يمكن تجنيسه كمنطلق فني، لأن لعبة الإبداع لا تطأ موطنها وملاذها، إلا إذا كانت الأنثى محل تخاطب وتشابك، هنا يترنح النص ويأخذ سلطته، وهنا يبتعد عن الأنا الكاتبة، امرأة أو رجل؟ ما هى ملامح البدايات الشعرية وبمن تأثرت؟ بمعنى آخر هل لسامية بن عسو مؤثرات خاصة تسمح بتسريب القصيدة إلى الوجود؟ يلد الإبداع من متكأ، لا يلد من فراغ بالتأكيد ولهذا المبدع يتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه ويستغل العوامل المساعدة على ترجمة ما يراه مناسبا ويثير فيه نزوع الكتابة وفضح الفضاءات الملتبسة، بدأت الكتابة ككل المبدعين، بعد قراءات مختلفة وكانت في الأغلب روائية باللغة الفرنسية تحديدا ل "البيركامي" مثلا و"السكندر ديما"، "بيلوا كيوليو"، إضافة الى الكتاب العرب مثل جبران خليل جبران، مصطفى لطفي المنفلوطي، نجيب محفوظ وغيرهم، أن تجربتنا الحياتية وانتقال أسرتنا من الجنوب الى الشمال، من تڤرت إلى عنابة رسمت فضاءات من الذكريات غير مكتملة ترتسم أحيانا وتولد في ذلك الحين الذي أراه يحتاج إلى وجدانية، فكأن انتقالنا أعطى عالمي الكتابي فضاء شعريا، فقرأت الكثير من الدواوين الشعرية، وهو ما منحني فرصة الكتابة الشعرية أكثر دون غيرها من الأجناس الأدبية، هذا الانتقال كان منطلقا لعالمي الشاعري غرس في نفسي روح التنقيب الغريزي وما ارتكبته تهمة الحياة بنا، كما عزز سلطة الثقافة والانطلاق ومنحني فرصة للتعبير، سلطة الأنا ووسطها الحيوي، محدثا في هزة وجدانية، فبدأت أكتب الشعر الذي وجدت فيه الفضاء الذي يفرغ الغلو الذي ملأني وما أثارني. ما هى حدود الإيديولوجيا والإبداع، وأين تكمن الخيوط الفارقة بين جمالية النص الشعري وأخلاقياته، بمعنى آخر ما هو الالتزام عند سامية بن عسو؟ الكتابة سلطة جمالية لا تبرحني، تقيم داخلي تمتد وتشيع كلما اتسع عالمها داخلي من خلال فضاءات الكتابة التي بالتأكيد تتيح لنا فرصة اللعب على عذرية بياضها، وأنسل اليها وأمارس نواميسي وسلطتي وأظل أحفر في كونها، إنها سلطتي الوحيدة التي تمكنني من التعبير والوصول الى المناطق المستحيلة الممكنة، لأكتب الأنا بكل تفاصيلها. ما هى القصيدة التي تمنت سامية بن عسو أن تكتبها ولم تكتبها بعد؟ هناك ارتياب نسبي تجاه النص النثري الذي يمنحني راحة أكثر ويجعلني أكثر تدفقا وانسيابية لذلك منذ قرابة العامين وأنا أشتغل بالتناوب على ثلاثية نثرية كي لا أقول روائية وهي تجربة رائعة تختلف تماما عن الشعر وتتطلب الكثير من الوقت والجهد و الاشتغال، انتهت في عشرة مشاهد ومائة وثمانين صفحة، أفكر أن أفصلها عن الثلاثية لأنها تستحق أن تلد بهوية كاملة هكذا أشعر وسأظل أعكف على ما تبقى، أما ما ينتظر النشر وجاهز له فقط يبقى تحت سياسة السائد والراهن المعروف فهي تجربتي الكاملة. بعد إصدار باكورة إنتاجك الشعري ما هي مشاريعك القادمة؟ وهل هناك أعمال جاهزة للنشر؟ هناك العديد من الأعمال الشعرية التي تنتظر النشر ومنها "جفن الخزامى" شعر 2014 قيد الطبع ولا أعتقد أنها ستفعل "يقظة البنفسج" شعر 2013 طريق الياسمين نصوص 2012 أنثى الجدار شعر 2015 هي جملة أعمالي منتهية لا تنتظر إلا فرصة الطبع الذي قد يكون على حسابي أو على حساب جهة ما تدعمها وزارة الثقافة. ما رأيك في أن الشعر خلق ميتافيزيقي، ينوء بقدر أرجواني يتعدد مع افتراضات الكشف عن مكامن الحس؟ كل نص محتمل هو قصيدة قد أكتبها، سلطة البياض دائما تدفعك لخلق سلطة النص ونهاية قلق نص منجز يمنحك قلقا جديدا ونصا محتملا، فالشعر كون كامل منه تستمد العلوم الأخرى بعض معالمها والأكيد أنه الوحيد الذي يضيء الجانب الميتافيزيقي والبعد الفلسفي الحسي لهذه البشرية كي تحدد ملامحها في مرآته، هو حساسية مفرطة في عالم ينزح للتطرف وينتصر للموت أكثر منه للحياة. كيف ترين المرأة الجزائرية اليوم مثقفة فضائيات أم مثقفة كتب؟ لا نستطيع أن نحدد ثقافة المرأة ومصدرها وهي معزولة عن مجتمعها تبقى المرأة وتظل عقلا لا علاقة له بالإديولوجيا التي خلقت فيها وهنا أنا أصر على أن يوجه السؤال على عقل المجتمع من أين ينهل ثقافته العامة؟ والأكيد أنها تتعدد ولا تتخصص إلا نادرا جدا، مما لا شك فيه أن كل من ذكرته ساهم بشكل أو بآخر في تثقيف هذا العقل الجماعي. تكتبين القصيدة النثرية بجمالية رائعة، كيف تمنحك اللغة هذا التدفق الهائل؟ لم أبحث يوما عن نص ولم أسع مرة إليها، لكن أذكر جيدا أني كنتُ أنتظر بشغف شديد حصص الإنشاء والأناشيد في الطور الابتدائي والمتوسط، في هذا الأخير اكتشفت أنه لا داعي لأن أنتظر شغفي لها لن ينتظر، وهي ضرورة يومية تأتي إلي ولا أبحث عنها لم تبرحني يوما ولم أخن وجودها في حياتي، أنا أكتب إذن أنا أتنفس.