بن حبيلس ل"البلاد": إنقاذ 162 رعية إفريقية من الموت حاصرتهم الثلوج لا تزال المآسي تلاحق الأفارقة الذين فضلوا اللجوء إلى البلدان المجاورة هربا من الأزمات والحروب التي تلاحق بلدانهم، كحال الأفارقة النيجيريين والماليين وغيرهم الذين افترشوا الشارع في عز الشتاء والبرد القارس رفقة أولادهم الصغار بحثا عن الدفء والأمان في أي زاوية ممكنة في الجزائر. أطفال يفترشون الشارع ويأخذون من زخات المطر لحافا قاسيا ينخر أجسادهم النحيفة التي أنهكتها الأزمات والتنقلات ليصبح الاستقرار بالنسبة إليهم مصطلحا لا يحمل في طياته معنى كبيرا وتحل محله كلمات... الجوع، التشرد، التنقل والتسول، إنها حالة الأفارقة الذين آوتهم الجزائر بعد أن اتخذت من قضيتهم منبرا قويا في محاولة للوصول إلى حل سلمي يضمن لهم حق المعيشة في بلادهم بكرامة وعزة فكانت الجزائر المكان الآمن لهم، وقد سهرت الدبلوماسية الجزائرية على لعب دور هام في حلحلة مشاكل وأزمات دول الساحل وفك شفرة الصراعات بين مختلف الأطراف. أطفال يلعبون في برك مائية في عز قساوة الشتاء جولة قصيرة قادتنا إلى شوارع العاصمة في يوم شتوي ماطر وبارد، حز في نفسنا منظر الأفارقة وهم ينامون في الشارع رفقة أطفالهم يبحثون عن لقمة عيش تضمن لهم الدفء في هذا الفصل الذي طالت أمطاره على مدار أيام متوالية في موجة برد يقول عنها بعض كبار السنة إنها لم تحصل منذ سنة 1973، حيث فاقت ثلوجه المرتفعات المنخفضة، فكان لأجساد هؤلاء الصغار دفع ثمن هذه البرودة الشديدة. اقتربنا من سيدة كانت جالسة على الرصيف بمحاذاة مركز التسلية بباب الزوار تتسول رفقة أطفالها، أصغرهم لا يتعدى السنة الواحدة، يلعبون ويمرحون في البرك المائية التي صنعتها الأمطار. حاولنا أن نعرف منها سبب تواجدها مع أطفالها في عز هذا الشتاء القارس إلا أنها لم تفهم حديثنا ولكن ملامح وجهها المشمئز أكبر تعبير عن استيائها من وضع أبنائها. "ربي يخليك" و"صدقة".. ألفاظ لاستعطاف المارة في منطقة أخرى شرق العاصمة، تفاجأنا، ونحن نسير على الطريق العمومي ببلدية الرغاية، بمجموعة من الأطفال الصغار يستعطفوننا من أجل نيل صدقة، فمنهم من قوبل باستعطاف من المارة فيما نُهر البعض منهم وفضل البعض الآخر طرق نوافذ السيارات لطلب الصدقة....إنها المأساة التي لا تظهر نهايتها.. خاصة مع تزايد موجة البرد واستمرار سوء الأحوال الجوية. اقتربنا من مصالح البلدية بالمنطقة، فأكد لنا أحد أعوانها أن مظهر هؤلاء الأفارقة أصبح مألوفا في ظل صمت السلطات المعنية بل أصبح البعض منهم يتسببون في إزعاج المارة لأن البعض منهم يركضون وراءهم لنيل الصدقة، وهو الأمر الذي يثير الخوف خاصة بالنسبة للنساء. "الحذاء الذهبي... لطالما حلمت به" في قلب العاصمة دخلنا أحد المحلات بشارع حسيبة بن بوعلي بعد أن لاحظنا دخول إحدى الرعايا الإفريقيات قبلنا، فتاة لا يتجاوز عمرها ال15 سنة مظهرها يظهر مدى المعاناة، إلا أن إحدى السيدات أحست بمعاناتها فاشترت لها حذاء، بعد أن لاحظت أن ما تلبسه قد أصبح جلدا قديما ليقيها البرد وقسوة الحصى فكانت الفرحة الكبرى بالنسبة لتلك الفتاة التي لم تصدق أنها ستنتعل حذاء جديدا يحمي رجليها. من جهة أخرى، وقفنا على ظاهرة غريبة ربما لم نألفها في بلادنا وهي العنصرية في التعامل مع الأفارقة اللاجئين إذ تجد أن البعض وخاصة من فئة الشباب يرمونهم بكلمات جارحة، بل يحاول بعضهم إيصالها إليهم بتوضيح المعنى كي يفهموها. "خطر الموت" يخيّم على أطفال المهاجرين انتشر الأفارقة عبر عدة مناطق من ضاحية العاصمة والمدن الكبرى الأخرى شمال البلاد، حيث بدأ المهاجرون القادمون من دول الساحل في رحلة يومية عبر قطارات الضاحية، للتنقل عبر مدن على محور يقارب 100 كلم من محيط العاصمة شرقا إلى غاية تيزي وزو وبومرداس وغربا باتجاه البليدة والعفرون. يلاحظ المسافرون على متن القطار، يوميا ومع بزوغ الصباح، وخاصة في محطة الشفة على بعد 5 كلم عن مدينة البليدة، عائلات تخيم في بيوت صغيرة لا تزيد مساحتها على 2 متر مربع من البلاستيك، حيث تجد منها حوالي 10 بيوت صغيرة تصطف بمحاذاة الحائط الأمني الذي يعزل المدينة عن خط السكة الحديدية، غير أن هؤلاء يقعون بين الحائط وخط السكة على بعد مترين فقط من "خطر الموت". وقد يتعايش أطفال الأفارقة مع "خطر الموت" يوميا وهم يجرون على الطرق السريعة والشوارع بين السيارات في زحمة المرور لطلب الصدقات، بعبارات بريئة "صدقة.. صدقة". وقد حدث أن توفي طفل إفريقي، قبل أيام، بسبب هرولته عشوائيا أمام سيارة دون أن ينتبه خلال قطعه الطريق. الجمعيات الخيرية تهبّ لنجدتهم في محاولة للوقوف على هذه الظاهرة التي أضحت ديكورا في شوارعنا اتصلت "البلاد" برئيسة الهلال الأحمر الجزائري، سعيدة بن حبيلس، فأكدت أن تردي الأحوال الجوية كانت نقمة على اللاجئين وحتى على المتشردين في بلادنا. وقد جند الهلال الأحمر الجزائري فرقا خاصة تجوب 22 ولاية وكافة المناطق المتضررة جراء تساقط الثلوج بمساعدة الحماية المدنية وفرق الأمن. يشار إلى أن الكثير من الأفارقة الذين يدخلون الجزائر بطريقة نظامية يعيشون في تجمعات سكانية هي أقرب ما تكون إلى "غيتوهات" خصوصا في جنوب البلاد، حيث أكدت بن حبيلس أن اللاجئين الأفارقة قد لا يلبثون في مكان محدد بل تجدهم ينتقلون من مكان إلى آخر بحثا عن المكان الذي يستطيعون المكوث فيه أكبر مدة وغالبا ما تكون المناطق الصحراوية والمناطق الجنوبية وهي الأماكن التي تقترب نوعا ما من المناخ الذي ينحدرون منه. من جهتهتا، دقت رابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ناقوس الخطر، في التقرير الذي نشرته في حول الظروف المأساوية التي يعيشها مئات اللاجئين الأفارقة. وكانت السلطات الجزائرية قد التزمت التكفل بهم، غير أن هؤلاء يفضلون طهي أكلهم بأنفسهم لتكتفي السلطات المحلية في أماكن تواجد المهاجرين بتوفير المواد الغذائية الأساسية. رابطة حقوق الإنسان تحذّر من "التهجير القسري" حذرت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان من سياسة "التهجير القسري" للرعايا الأفارقة، حيث أوردت في تقرير لها عزم الحكومة ترحيل نحو عشرين ألف مهاجر غير نظامي إلى مالي خلال الأشهر المقبلة، والذي قوبل برفض كبير من قبل الرعايا الذين فضلوا المكوث في أماكنهم ورفضهم العودة إلى بلادهم. وقالت الرابطة "أمام هذه المآسي التي يعيشها اللاجئون الأفارقة في الجزائر بالرغم من الإمكانيات التي وفرتها بلادنا لهم إلا أن قساوة الأوضاع التي تعاني منها بعض بلدان الجوار تجعلهم يتقاسمون المآسي فيما بينهم وقد تصل بهم الأوضاع إلى ممارسة العنف والتعدي على الأفراد". وأضافت "لذا يتطلب على السلطات الجزائرية اتخاذ كل الإجراءات اللازمة، فالسلطات كانت صارمة مع المهاجرين غير النظاميين وقامت بترحيلهم". ه.ح
رئيسة الهلال الأحمر الجزائري ل"البلاد": إنقاذ 162 رعية إفريقية من التجمد خلال العاصفة الثلجية كشفت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري سعيدة بن حبيلس في تصريح خصت به "البلاد" أنه تم إنقاذ 162 رعية إفريقية من دول الساحل من التجمد تحت الثلوج، مع بداية موجة البرد القارس وتدهور الأحوال الجوية، حيث قدمت فرق الهلال أفرشة وأغطية وطعاما وأدوية. وأكدت بن حبيلس نقل البعض منهم إلى المقرات الإدارية كمراكز إيواء، وأضافت "إلا أن البعض منهم فضل المكوث في الشارع حيث قضوا 4 أيام فقط ثم واصلوا رحلتهم وتشردهم في الشوارع"، موضحة أن التكفل بهؤلاء شمل حتى الرعاية الصحية. وأفادت المتحدثة بأن التنسيق جار مع جميع فروع المنظمة الموزعة عبر الوطن لتفادي أي انعكاسات سلبية قد تخلفها موجة البرد والثلوج، حيث أوضحت أنه تم تجنيد فرق متطوعة لتقديم المساعدات والخدمات اللازمة للمهاجرين الأفارقة والمشردين الذين يبيتون في العراء. ودعت بن حبيلس إلى مضاعفة الجهود أكثر لتجنب أي مفاجآت غير سارة في صفوف المهاجرين من مختلف الجنسيات، وفئة المشردين دون مأوى، مضيفة أنه تم التنسيق مع جميع فروع الهلال لتجسيد حملات تستهدف هذه الشرائح، من خلال توفير كل المستلزمات الضرورية، على غرار الوجبات الساخنة والبطانيات والرعاية الصحية إذا اقتضى الأمر ذلك، إلى جانب مولد الكهرباء بسعة 30 "كا في أ"، فشعارنا تضيف رئيسة الهلال الأحمر الجزائري "لا فرق بين مهاجر وجزائري". وقد انتقدت بن حبيلس التقرير الذي أعدته رابطة حقوق الإنسان، وأوضحت أنه "لا يمكن التحكم في تدفق اللاجئين الأفارقة بسبب نزوحهم بطرق غير قانونية وسرية، وكذا تنقلهم الدائم عبر مختلف ولايات الوطن وانتشارهم عبر كامل مناطق الوطن، رغم الملايين التي تصرف لضمان أحسن تكفل بهم". "لا نملك إحصاء دقيقا للمهاجرين الأفارقة" أما بخصوص عملية الإحصاء العام لمجموع المهاجرين الأفارقة المقيمين في الجزائر، فقد اعتبرت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري هذا الأخير غير معني بها، حيث أفادت بأن "الإحصاء العددي للمهاجرين ليس من صلاحيات منظمتنا، ودورنا الأساسي يتمثل في تقديم الخدمات الإنسانية، ولا يوجد إحصاء دقيق". وتابعت "العملية تواجهها صعوبات كبيرة جراء رفض السواد الأعظم من المهاجرين المكوث داخل مراكز الإيواء المخصصة لهم، فضلا عن رفض السلطات العمومية إجبارهم على ذلك". وبالرغم من أن المنظمات الحقوقية غير الحكومية قد وجهت انتقادات شديدة إلى السلطات على ما تعتبره سوء معاملة وإهمالا للاجئين الأفارقة، فقد أكدت المتحدثة أن "الهيئات الحكومية تؤكد أن الدولة تقوم بكل ما يمكنها القيام به حسب إمكانياتها ودون المساس بأمنها واستقرارها".