لا شك في أن الحالات الاجتماعية هي أكثر الحالات شيوعاً وتداولاً بين أوساط المجتمع، كيف لا وهي تُنسَجُ منه وتنطلق إليه، وتُظهر حقيقته بين ظاهره وسره! لكن، ما يستحضرني هو تلك الردود الفعلية على هاته الحالات سواء كانت مضحكة غريبة، خطرة أو أخلاقية راقية، دائما هناك اختلاف، لكن هذا الاختلاف كان له ثلاثة عناصر؛هي: 1 - الرفض 2 - القبول 3 - الحياد لا يخرج الرأي من هاته المفارقات ربما، إلا أنه في هذا العصر انقلب الحياد بطريقة ما إلى حياد آخر، فصارت الردود كالتالي: 1 - تقبله والتهليل له 2 - رفضه رفضاً قاطعاً ونقده 3 - وهناك عنصر الحياد الذي تغير، يجعل الحادثة أو القصة عبارة عن مكيدة من قبل العدو لنا جميعاً، سواء "إسرائيل" أو "الغرب" أو "الماسونية"، ولا هدف من القصة إلا أنه يشوهنا بها وأنه لا وجود لمثل هذه الأحداث إطلاقاً. إن هذا العنصر الأخير، الذي ما انفك يأتينا في كل حادثة وكل دقة قلم وكل تلطيخ لورقة أو حديث في شاشة، أصبح رائجاً جداً حتى إنه أصبح ملاذاً وذريعة لإبعاد النقص فينا، أو على الأقل إبقاء صورتنا الحسنة التي دوماً نزيّنها بتشويه غيرنا ونُكْرِه وكُرهه... قصة مثلاً أخذت كل الحدث في الجزائر، تحمل عنواناً بين السرقة والخداع، الكذب والثوب الديني المزيف، بين شاب يدعى "عبد القادر" وفتاة تدعى "إكرام". أحد الفيديوهات التي أصدرت ضجة كبيرة حول القصة، يحكيها أحد الطرفين حتى تداولتها القنوات التلفزيونية وأخذ يحكي عنها حتى النخبة من المثقفين للأسف! لكنك حينما تقف على بابها تجد الجزائريين كلهم بين ثلاثة أمور: - الأول: أن "عبد القادر" صادق والفتاة مخادعة. - الثاني: يقول أنصاره إن "عبد القادر" كذاب و"إكرام" مجرد ضحية. - أما العنصر الثالث الذي أخذ الأغلبية بطريقة غريبة جداً، أن هذه القصة من عمل اليهود كي يشوهوا الإسلام والفتاة المسلمة.. أمر غريب حقاً أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة! إن مثل هذا الأمر يشبه أن يحمل أخي "عامر" مسدساً يصوبه لجاري "أبا الخير" ويرديه قتيلاً ثم أُخبرهم أنا بأنه ليس من عمل الإسلام، إن أخي مسلم سليم، إنه من عمل الشيطان، إنهم اليهود، نحن لا نخطئ، والإسلام في قلوبنا كاملاً، وأخي بريء، لكنها المؤامرة من فعلت هذا. إن قضية المؤامرة كانت من قبلُ قضية تُتَخذُ ذريعة في السياسات الكبيرة بين الدول والأحداث التي تغير مجرى الخريطة العربية وما إلى ذلك، لكن في أيامنا هاته لبست المؤامرة ثوباً جديداً، فأصبحت تدخل حتى بين الأحداث الاجتماعية المحلية فيما بيننا؛ بل وحتى في حينا الصغير أو ربما حتى في البيت الواحد بين الإخوة، كل هذا يجعلنا من جهة أخرى ندرك أننا حقيقة لحد الآن لم نعترف بأننا نخطئ ونفشل ونخسر أمام العالم؛ بل وأننا لن نستطيع أن نعترف بذلك طالما نُبعد كل سيئ عنا ونلصقه في الآخر ونتحجج بالمكيدة وأن هناك عدواً يترصدنا في كل صغيرة وكبيرة، لدرجة أننا وصلنا حتى لأفكارنا حينما تخطئ فننسبها إلى الآخر كي ننجو من النقص. أمر آخر، أنه وصل بنا الأمر حتى أصبحت كل لعبة تأتينا نُركّب اسمها بأي طريقة كانت كي ننسبها إلى أي اسم غربي ثم نكتب أنها مؤامرة أو حتى حذاء مكتوب فيه رقم المقاس فندرجه أنه رقم من أرقام مواد صهيونية أو رقم معاد لرقم نحن نحبه؛ كمثل أن نجد مقاس حذاء يحمل الرقم 3 فنتهمه بأنه ثالوث مسيحي وهو يتعمد في كتابته ليخدعنا وأننا لو لبسنا الحذاء نعد قد تبعناه. أمر غريب حقاً أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة! إن مثل هذا الأمر يشبه أن يحمل أخي "عامر" مسدساً يصوبه لجاري "أبا الخير" ويرديه قتيلاً ثم أُخبرهم أنا بأنه ليس من عمل الإسلام أمر يبعث على الحسرة حقيقة، لما وصل إليه الوعي لدى أمتنا وشعوبنا، خصوصا في وقت تحتاج الأمة العربية إلى كثير من الوعي لتنهض من هذا النوم العميق وهذا التفكير الساذج، ا أريد أن أتكلم الآن عن لعبة "البوكيمون قو"، وأنها هي الأخرى ازدهرت فنعتها العرب بأنها تحمل اسم عدو لنا أو عبارة مستفزة لنا، وأنها أداة تجسس حول ما نأكله في المطبخ. الأمر خطير جدا الآن!... علينا أن نعترف بفشلنا الثقافي والفكري في حياتنا ومعتقداتنا، علينا أن نطأطئ الرأس أمام العالم وندرك حقيقة ما وصلنا إليه من تدهور في الوعي، علينا أن نترك تفاهات الأمور فهناك ما هو أهم، ولنشمر على العمل والتفاؤل والتعلم من أخطائنا دون الحديث والخوض في المؤامرات كأن أعين العالم كلها تنظر إلى مطبخ بيتي وما فيه من خضر! قوق محمد/ عن موقع "هافينغتون بوست عربي"