كشف الأستاذ المحاضر بقسم علم الاجتماع الديموغرافي بجامعة الجزائر الدكتور سعيد عيادي في ندوة نشطها بدار الثقافة ''حسن الحسني'' بالمدية، أن السلطات الفرنسية قامت مابين سنوات 1830 و1872 بتخريب ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مدرسة قرآنية وكتاب بالجزائر العاصمة وضواحيها. وأشار في الندوة التي خصصت لموضوع ''التعليم في الجزائر ما بين 1830 و''1962 إلى أن هذه العملية شكلت خطوة أولى لسياسة تدمير واسعة النطاق امتدت فيما بعد إلى المساجد ومراكز الإشعاع الثقافي التي كانت تقوم بنشر العلم والمعرفة في أوساط السكان المحليين. ويعكس تخريب هذا العدد الهام من المؤسسات التربوية، حسب المحاضر، مدى جسامة عمليات التخريب التي قامت بها سلطات الاحتلال في تلك الفترة، وعزمها على محو كل أثر يرمز إلى الثقافة المحلية. واعتبر عيادي أن العدد الهام من الهياكل التربوية في ذلك العهد ''يؤكد مدى المستوى الذي بلغه التعليم في البلاد، والأهمية التي كان يحظى بها''، مذكرا بالجهود المبذولة خلال فترة الكفاح المسلح ضد الاحتلال من طرف العديد من العلماء الجزائريين من أجل التصدي لسياسة التخريب. واستدل هنا بعدد من العلماء أمثال عبد الرحمن بوقندورة ومصطفى ورطة والشيخ البركاني والشيخ بن علال والأمير عبد القادر الذي كتب عدة مؤلفات في شتى المجالات قام الجيش الاستعماري بنقل مجموعة كبيرة منها إلى فرنسا. ومن بينها مؤلفاته العلمية والأدبية التي كانت موجودة بمخيم ''الزمالة'' بضواحي مدينة ''البروافية''، وذلك بعد انسحاب الأمير من المنطقة. وقال الدكتور عيادي إن آلاف المؤلفات والمخطوطات النادرة ألفها علماء جزائريون ما بين القرن ال 16 وال ,19 تشكل مجموعة الكتب الشخصية للأمير موجودة اليوم برفوف مكتبة توجد بقلب العاصمة الفرنسية. من ناحية أخرى، أكد المحاضر أنه تم تسجيل عمليات مماثلة في كل من ''الصدوق'' بمنطقة القبائل و''آفلو'' بالجنوب الجزائري و''مازونة'' بالغرب التي كانت تمثل في تلك الفترة، مراكز إشعاع ثقافي تعدت سمعتها حدود الجزائر، مشيرا إلى أن كمية الكتب والمؤلفات التي سرقت من مدرسة ''مازونة'' مثلا، قدرت بأكثر من عشرة آلاف عنوان منها خمسة آلاف عنوان تم استرجاعها من طرف المكتبة الوطنية. وأوضح المتحدث أن الاستعمار كان يسعى من خلال هذه العملية، إلى ''الاستيلاء على هذا الإرث الذي تركته أجيال متتالية من العلماء والتصرف في ماضي شعب بأكمله وفرض نموذج مجتمع يتماشى مع منظور الاستعمار''، على حد تعبيره.