البلاد - زهية رافع - تحولت في غضون أسابيع قليلة، المؤسسة العقابية بالحراش، إلى قطب عالمي بامتياز تتحدث عنه مختلف وسائل الإعلام والمواقع على اختلاف شبكاتها بعدما كان الاعتقاد السائد أن السجن الذي احتضن في العقود الأخيرة مئات المساجين، خاصة المتهمين في قضايا الإرهاب وقبلها نشطاء سياسيين معارضين، سيبقى سجنا يحتضن أبناء الشعب فقط، إلا أن الحراك الشعبي أسس لوجه جديد وحول هذا المبنى إلى رمز تاريخي أسس لأحداث استثنائية وغير مسبوقة بدخول صنف جديد أسوار هذا الحبس لم تكن يوما في مخيلة الجزائريين. وتحول إلى مبنى تجاوز صيته حدود الجزائر بعد أن أضحى حبس الحراش يستضيف بشكل متسارع دفعات وشخصيات من الوزن الثقيل، تصل تباعا إليه وبات معقل رجال الأعمال الأثرى في البلاد، فجمع يسعد ربراب علي حداد والإخوة كونيناف وسعيد عولمي، إضافة إلى بطل فضيحة القرن "الخليفة"، طحكوت وووزراء سابقين سقطوا، بالإضافة إلى سلال، أويحيى وبن يونس الذين ينتظرون جميعا محاكمتهم بعد استكمال مجريات التحقيقات حول شبهة الفساد التي تلف رقبتهم جميعا.
عناصر أمن وأعوان حراسة لا ينامون لتأمين الحبس الحراش اليوم بات تحت رقابة أمنية مشددة غير مسبوقة وتم الاستعانة بقوات جديدة من اجل تأمينه وحمايته، وتأمين حياة المساجين داخله، خاصة بعد إيداع كبار المسؤولين ورجال الأعمال داخل أسواره. عناصر الشرطة وحتى اعوان الحراس يعملون لساعات دون انقطاع وبدا عليهم التعب الشديد وحتى الضغط وعبارات "عيينا، عياونا، يادرا شكون الجديد اليوم"، تظهر حجم الضغط الذي يواجهونه في الأونة الاخيرة. كما يظهر هذا في عدد السجائر وعلب الدخان التي يقتننونها، فرحلة البحث عن سيجارة لا تتوقف والكل ضبط عقارب ساعاته على أحداث المحكمة العليا ومحكمة سيدي امحمد، حيث ينتظرون دفعة جديدة من النزلاء.
أويحيى، سلال وربراب في غرف منفردة وملزي يجتمع مع حداد والخليفة نقلت مصادر مقربة أن الوزير الأول أحمد أويحيى الذي كان أول الوزراء الذين تم إيداعهم حبس الحراش يعيش حالة إحباط شديدة، ويمتنع عن الخروج من غرفته، حيث يتواجد أويحيى منفردا في هذه الغرفة يواجه مصيره الذي آل إليه. كما ذكرت المصادر أنه يعاني من تعقيدات صحية جعلته يخضع للمعاينة الطبية بشكل مستمر ورجحت المصادر إصابته بالقلب. كما يتواجد الوزير الأول الأسبق أيضا عبد المالك سلال بغرفة منفردة قريبة من باقي المجموعة، حيث إن الكل تم وضعه في جناح خاص بعيد عن باقي المساجين داخل حبس الحراش، وقد اضطر المدير العام للمؤسسة العقابية إلى إخلاء جناح خاص بالنزيلات السجينات وتحويلهن إلى جهة أخرى من أجل تحضير هذا الجناح وتخصيصه للدفعة الثانية التي تلتحق بحبس الحراش.
إخلاء جناح خاص بالنزيلات ترقبا لدفعة جديدة من المسجونين ويبدو أن إدارة السجن قررت فصل السجناء الجدد من وزراء ومسؤولين عن باقي المساجين ووضعهم في جناح خاص مفصول بجدار أسمنتي وله مدخل خاص وفناء خاص نظرا لحساسية الوضع من جهة، وكذا بالنظر لطبيعة الشخصيات المحالة والتي كانت من الوزن الثقيل بالنظر للمسؤوليات والمهام التي تقلدتها، حيث إن وقت خروجهم لفناء السجن يختلف عن باقي المساجين. ولم تستبعد مصادرنا أن الوجبة التي يتناولها أويحيى، سلال والبقية تختلف عن باقي الوجبات المقدمة للسجناء، على الرغم من نفي المدير العام للسجون وجود إجراءات تفضيلية وتمييز بين نزلاء المؤسسات العقابية، لكن الواقع حسب مصدرنا يكشف غير ذلك. وذكرت المصادر المقربة أن السجن جمع علي حداد مع ملزي في غرفة واحدة وتجمع أيضا رجل الاعمال عبد المومن خليفة الذي يقضي خامس سنة له في السجن بعد إدانته عام 2014. كما يجاور هؤلاء في زنزانات السجن، كمال شيخي المعروف ب«البوشي" المتهم في قضية تهريب 701 كلغ من الكوكايين التي تفجرت في الصيف الماضي ولا تزال ارتداداتها مستمرة حتى الآن، إلى جانب محي الدين طحكوت. ويبدو ان تشكيلة المحالين ستكون كفيلة بتكوين منتدى رجال اعمال وحتى حكومة جديدة جدد لكن ليس بنفس الطبيعة والمعطيات طبعا. ربراب يحظى بزيارات عائلية وغياب كلي لأقارب بن يونس وأويحيى تواجدنا بمحيط سجن الحراش، كان كفيلا بكشف جزء من تفاصيل حياة النزلاء الجدد، فبعيدا عن وحشة السجن وظلمة زنزانته التي يواجهها نزلاء السجن من الدفعة الجديدة من الوزراء أو رجال الأعمال، فإن غياب أو امتناع عائلاتهم عن زيارتهم سيشكل ورقة ضغط أخرى تسرق منهم الراحة والنوم، بعد التهديد الذي يلازمهم بسبب الجرائم والتهم المنسوبة إليهم، حيث ذكرت مصادر متابعة أن الشخص الوحيد الذي يحظى بزيارات دورية من قبل عائلته هو رجل الأعمال يسعد ربراب، حيث يلتقونه كل 15 يوما، وخصصت إدارة السجون يوم الأحد زيارته، وصادف تواجدنا هناك زيارة عدد من أفراد عائلته أبرزهم شقيقه وشقيقته، واثنين من أبنائه، إلى جانب مقربين آخرين، حيث شددت شقيقته في نقاش مع أفراد عائلته قبل لحظات من دخوله السجن على ضرورة رفع معنوياته والوقوف معه، وتشجيعه وأكدت أن تواجد عائلته بجنبه سيسعده، وهو ما يعني أن ربراب يعيش أياما صعبة تستدعي وقوف عائلته بجنبه في مثل هذه الظروف. كما حضرت والدة الإخوة كونيناف في أول زيارة بعد توقيفهم، لكنها لم تعاود الظهور مرة أخرى. ويبدو أن وضع ربراب أفضل بكثير من علي حداد الذي لا تزوره عائلته منذ تواجده بالسجن إلا نادرا، وفي كثير من الأحيان ينتقل إليه ابن شقيقه للإطمئنان على حالته والتخفيف عنه. أما زوجة ملزي فهي الوحيدة التي تقوم بزيارته في السجن منذ دخوله إلى السجن، حيث اعترفت في إحدى تصريحاتها الجانبية ان زوجها يعاني من أعراض صحية خطيرة وستعمل جاهدة لنقله خارج السجن للعلاج. في حين لم يحظى لحد الساعة عمارة بن يونس بأي زيارة من عائلته. سجن الحراش.. هنا تحققت العدالة وانتصرت للمظلومين بات محيط سجن الحراش محل استقطاب إعلامي وشعبي كبير، حيث إن كاميرات القنوات التلفزيونية ومع تسارع الأحداث لا تكاد تفارق هذا المكان الذي يخضع لرقابة أمنية مشددة. كما بات قبلة للمواطنين الذين يحجون إليه بشكل مكثف مع كل خبر تحويل أي مسؤول للسجن، خاصة حين يتعلق الامر بالوزير الأول احمد أويحيى الذي دخل تحت حصار شعبي مهول، وخرج أيضا أمس الاول تحت هتافات "كليتو البلاد يا السراقين، ويا أويحيى مليحة السوبا". والأمر نفسه مع والي العاصمة السابق عبد القادر زوخ الذي كان العديد من المواطنين ينتظرون إحالته على السجن ويترقبون لحظة وصوله إلى سجن الحراش، حيث انتقلوا من اجل مشاهدة هذه اللحظة التاريخية، حسب ما اكدته إحدى المواطنات التي تعرضت للإقصاء من الاستفادة من سكن اجتماعي، لكن قرار مستشار المحكمة العليا عاكس حلمهم برؤيته يدخل أسوار سجن الحراش ولم يشف غليلهم في انتظار مستجدات أخرى في الملف. غادرنا سجن الحراش بعد ساعات على وقع مستجدات قد تجرف معها اسماء أخرى بعد أن ظلت أبوابه مفتوحة في انتظار قائمة جديدة قد تكون طويلة وخلف أسواره وأبوابه الحديدة المغلقة حكايات إمبراطوريات فساد تآكلت رؤوسها شيئا فشيئا وتسقط مع كل يوم يمضي عليها داخل زنزانات السجن، بعد أن عاشت عمرا من الرفاهية تعبث بالمال العام دون حسيب أو رقيب.