البلاد.نت- حكيمة ذهبي- أربك الحراك في الجزائر، الدوائر الفرنسية التي سارعت لإنقاذ ما تبقى لها من نفوذ في المستعمرة القديمة، في ظل إصرار شعبي ورسمي على قطع هذه العروق التي ظلت منسوجة ومنحتها امتيازات اقتصادية كبيرة، دفع الرسميين في باريس بالنهاية للتساؤل عن مستقبل علاقتهم بالجزائر. من بين أبرز الأسباب التي انتفض ضدها الجزائريون منذ تاريخ 22 فيفري، قطع النفوذ الفرنسي بالجزائر، الذي ظل يلازم ميزان العلاقات الجزائرية-الفرنسية لعقود، وتورط فيه مسؤولون أغلبهم يتواجدون رهن الحبس حاليا، بسبب الامتيازات الخيالية التي كانت تمنح للفرنسيين دون سواهم. الارتباط الفرنسي بالجزائر لم يكن اقتصاديا فحسب، بل شمل حتى الثقافة والسياسة، جعل الفرنسيين يجهرون بمواقفهم تجاه تحركات جزائرية للتفتح نحو اللغة الإنجليزية وجعلها اللغة الأجنبية الثانية بدلا عن الفرنسية، حيث صرح السفير الفرنسي بالجزائر، إكزافييه دريانكورت، أن بلاده تسعى للحفاظ على مكانة الفرنسية في الجزائر. رئيس الممثلية الدبلوماسية الفرنسية بالجزائر تحدث أيضا عن مستقبل العلاقات لكنه جاء في سياق نبرة استعلائية تؤكد بقاء النفوذ قائلا: "مهما يكن المستقبل الذي تكتبونه، سيبقى شيء هو العلاقة بين فرنساوالجزائر".
هكذا تفاعلت فرنسا مع الحراك في الجزائر كان أول مظاهر التدخُّل الفرنسي في بداية الحراك حينما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى "فترة انتقالية لمدة معقولة"، لكن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، سارع لاحقاً إلى استدراك الموقف قائلاً إن بلاده تتابع عن كثب الاحتجاجاتِ المناهضةَ للرئيس بوتفليقة في الجزائر، لكن الأمر يرجع إلى الجزائريين في تحديد مستقبلهم. وأضاف "علينا أن ندع العملية الانتخابية تتقدم، وفرنسا تتابع الأمر باهتمام، نظرا إلى الروابط التاريخية بيننا". لكن مراقبين يرون أن الحراك أربك أيضا حسابات فرنسا التي هرعت إلى إنقاذ بقايا نفوذها التقليدي بعد أن استشعرت خطر الهبّة الشعبية على مصالحها.
حراك في البرلمان الأوروبي لدفع فرنسا على رفع يدها عن الجزائر تمكن حراك الشعب الجزائري، من تبليغ صوته إلى المنابر الدولية، فاجتمع البرلمان الأوروبي بتاريخ 28 مارس الماضي، أي عشية الجمعة السادسة للحراك، لإجبار فرنسا على الاعتذار عن فترة استعمارها لإفريقيا، وبلغ النقاش حد مطالبتها بتعويض الحكومات الإفريقية ومن بينها الجزائر وإعادة الآثار المسروقة منها، وكذا رفع السرية عن الأرشيف الاستعماري.
صاغور: الجزائريون مدعوون إلى انتخاب مؤسسات شرعية لا تخاف من أحد ويقول المحلل السياسي، عبد الرزاق صاغور، ل "البلاد.نت"، إن العلاقات الجزائرية-الفرنسية معقدة جدا، مسجلا أن العيب ليس في الفرنسيين أنفسهم ولكن في العصابة التي كانت تنهب خيرات الجزائريين وتجعلهم خاضعين لقوى خارجية. ويضيف محدثنا أن سجن هؤلاء ومن ثم تقديمهم على المحاكمات كان أول خطوة لإعادة البلاد إلى سكتها الصحيحة ومن ثم إعادة السلطة للشعب. ويدعو صاغور إلى بناء نظام سياسي صحيح، عن طريق انتخابات رئاسية شفافة ونزيهة ومن ثم انتخاب مؤسسات دستورية ذات شرعية شعبية تعمل على صون سيادة الشعب على دولته وسيادة البلاد، يشكل السلطة المضادة التي تجعلنا دولة لا تخاف من أحد. وأكد أستاذ العلوم السياسية أن الحراك الشعبي مسألة داخلية فعلا أثرت على عدة متغيرات من بينها إعادة رسم العملية السياسية، كما أن هناك مؤسسات تعمل على الحفاظ على السيادة وترفض التدخل في الشؤون الداخلية لبلادنا وتصون المصالح الخارجية والاستراتيجية.