ماذا يجري داخل مجلس الدولة؟ هل الدخان المنبعث من داخل مقريه ب"ديبسي" وبن عكنون مجرد هواء كثيف عابر؟ ما مدى شرعية هذه الجهة القضائية في ظل غياب المحاكم الإدارية؟ وهل العينات الثلاثة المعروضة في هذا التحقيق، كافية بالجهات الوصية للتحرك لتسليط الأضواء على هذه الهيئة الدستورية الانتقالية؟ قاضي ينتفض كثرت في الآونة الأخيرة شكاوي المتقاضين، ورجال القانون من التسيير "العشوائي" لمجلس الدولة الذي حل محل الغرفة الإدارية السابقة بالمحكمة العليا، بموجب المادة 152 من دستور 1996، لم يسلم منها حتى الموظفين بهذه الهيئة القضائية، بفعل الطريقة "الملتوية" المستعملة من القضاة المشرفين على المجلس وأعوانهم، من جراء تزايد عدد الملفات الضائعة بهذا الجهاز القضائي، بحكم أن مصالح مجلس الدولة موزعة بين مقر المحكمة العليا ببن عكنون، ومقره الأصلي ب"ديبسي" بسيدي امحمد. ناهيك عن أساليب "غريبة" عن أروقة العدالة والمتعلقة بالمتاجرة بالملفات وإعادة بيع صورها المطابقة للأصل بالملايين، فضلا عن "البزنسة" في جدولة القضايا الجاهزة للفصل، حسب أهمية القضية إلى جانب "التلاعب" في تواريخ العرائض المهمة في حساب الآجال المحددة قانونا لتسليم الطعن أمام هيئة المجلس قبل رفضه شكلا. الوضع "الكارثي" وحالات "التسيب" المسجلة بمجلس الدولة، دفعت بإحدى القضاة السابقين بمجلس قضاء قسنطينة، إلى الانتفاضة على الوضع، وصلت به إلى حد مقاضاة رئيسة مجلس الدولة في قضية ينتظر أن يفصل فيه اليوم الثلاثاء، بدعوى "عزوف" المشرفين على هذه الهيئة الدستورية ممارسة مهامهم المنوطة في الدستور، وفي مقدمتها الحرص على جمع الاجتهاد القضائي الصادر عن مجلس الدولة، في المجلة الصادرة عن المجلس، باعتباره أعلى هيئة قضائية إدارية. وحسب مصادر متطابقة، فإن المجلة القضائية الخاصة بمجلس الدولة، لم تصدر منذ أمد طويل، ولم يتم الجمع منها منذ سنة 2002 تاريخ صدور أول عدد، سوى ثمانية (8) أعداد، أي بمعدل مجلة واحدة كل سنة، وهو عدد غير منطقي ولا يتقبله عقل أي رجل قانوني. وهذا بالمقابل مع عدد الطعون الصادرة عن مجلس الدولة، الذي يتلقى سنويا أكثر من 4000 طعنا توزع على الغرف الخمسة المتواجدة بالمجلس. تحرش نسوي شهد مجلس الدولة عدة حالات توقيف إجباري أو اضطراري، وصل في الفترة الأخيرة أزيد من 10 موظفين تم طردهم أو قدموا استقالتهم تحت الضغط من هذه الهيئة القضائية، جميعهم من الجنس اللطيف، بسبب أخطاء "واهية" لا تقتضي عقوبة قاسية مثل التوقيف، كارتكاب هؤلاء المطرودات في أخطاء مادية، أثناء عملية طبع مقررات المجلس، كان آخرهم ملحقة إدارية رئيسية (ع.م) بعد عدة محاولات من التحرش والاستفزاز، ليتم طردها "تعسفيا" من منصبها شهر فيفري الماضي، على خلفية ضياع ملفين بالغرفة الأولى. وتتعجب الضحية في لقاءها مع "البلاد" من هذه التهمة الملفقة لها، كونها ليست لها صلة بهذه الغرفة، باعتبار أن عملها حين تفجرت قضية اختفاء الملفين، كان منصب على المكتب الخاص بشهادة عدم الاستئناف، البعيد كل البعد عن الغرفة الأولى، المختصة بالفصل في المنازعات المتعلقة بالسكن والمحلات ذات الاستعمال التجاري، والصفقات العمومية و العقود الإدارية. كما أن المستندات التي قدمتها لنا الضحية، تشير إلى أنها كانت غائبة يوم الفصل في إحدى الملفات الضائعة. ناهيك عن التناقض المسجل في تقارير كل من رئيسة مجلس الدولة، رئيس الغرفة الأولى المعنية بضياع الملفين، أمينة ضبط الغرفة الأولى والمهندس المتخصص في شبكة المعلوماتية بمجلس الدولة. وتتهم الضحية التي ظلت تشتغل بالمجلس منذ عشر سنوات تقريبا، كل من رئيسة مجلس الدولة ورئيسة كتاب الضبط ب"التحرش" بها، من خلال "تلطيخ" ملفها الإداري بعقوبات تأديبية، قبل الوصول إلى عقوبة التسريح الأخيرة، حيث تعرضت الضحية لعقوبة التوبيخ ثم خصم ثمانية (8) أيام من راتبها الشهري. كما أنها تعرضت في السنوات الأخيرة، وتحت ضغوط من رئيسة كتاب الضبط إلى تحويلات عديدة في مختلف المصالح الإدارية بالمجلس، من العمل بالمكتبة تم البريد، ثم مصلحة التكييفات، قبل المصلحة الأخيرة التي غادرتها تحت "مؤامرة علمية". قرار اللجنة التأديبية المتساوية الأعضاء، المؤرخ نهاية فيفري الماضي المتضمن التسريح، شابه الكثير من "الغموض" والإبهام"، الغير مفترض في هذه الهيئة القضائية، حيث تم إدانة الموظفة بتهمة إتلاف ملفات طبقا للمادة 394 من قانون العقوبات، وهذا دون تشخيص التهمة في حقها وبيان الملفات المتلفة من طرفها. أكثر من هذا، تحدّت الضحية مسؤولي هذه الهيئة القضائية التابعة لجهاز العدالة، بإحالة القضية على القسم الجزائي بمحكمة سيدي امحمد، ليأخذ القضاء مجراه في هذه القضية التي خرجت من نطاق خطأ مهني إلى خطأ مس المجتمع، وأبدت الضحية استعدادها لمقاضاة رئيسة مجلس الدولة على هذا الطرد "التعسفي". خصوصا بعد أن رفضت هذه الهيئة القضائية، استقبال طعنها في قرار التسريح وتحويل الضحية لتسليم طعنها نحو مقر وزارة العدل، في إجراء كان مسؤولي مجلس الدولة، يهدفون من وراءه، إلى تضييع الضحية آجال الطعن، مما أجبرها على إرسال طعنها في قرار التسريح عبر البريد المضمن إلى كل من وزارة العدل، الأمانة العامة لمجلس الدولة، رئيس اللجنة الوطنية والوزارية للطعون. تجاوزات بالجملة قضية فيلا في قسنطينة، تكشف مرة أخرى عن جملة من التجاوزات الحاصلة بهذه الهيئة القضائية الخاصة بالقضاء الإداري، حيث منحت هذه الفيلا بعد الاستقلال إلى المجاهد بهلول شريف ليقوم والي قسنطينة سنة 1971 بمنح الطابق الأرضي إلى شخص ثاني بمقرر آخر، دون إلغاء المقرر الأول، وفي سنة 1987 قررت الغرفة الإدارية بمجلس الأعلى آنذاك إلغاء مقرر الشخص الثاني، ليصبح نهائي، لتقرر الرئيسة السابقة لمجلس الدولة )ا. ف) ودون سابق إنذار، ولحاجة في نفس المستشارة، ضرب قرار أعلى هيئة قضائية عرض الحائط، من خلال إدخال الشخص الثاني مرة ثانية في الخصام، والحكم لصالحه عبر الغرفة الإدارية للمحكمة العليا سنة 1994 باستعادة العقار، رغم أن هذا الشخص، كان قد تحصل على عقار آخر من مصالح أملاك الدولة، دون أن تمنح الفرصة للحائز الأول للعقار، أن يقوم بعد سنتين من صدور القرار، بتصحيح الخطأ المادي، الذي وقعت فيه المحكمة العليا باستثنائها للقاعدة القانونية واعتمادها على دفوع متناقضة، هزّت من مصداقية واستقلالية القضاء. وأمام "الخروقات" المسجلة في هذه القضية، حاول ابن هذا المجاهد، وهو رجل قانوني متواجد بفرنسا، مراسلة الجهات العليا للكشف عمن يقف وراء هذه "التجاوزات" القانونية، كاكتشافه أن العريضة التي استندت إليها المحكمة العليا في استعادة العقار ومنحه إلى الخصم، لم تكن مشهرة وهو ما يتعارض والقانون، لأنها من النظام العام. كما أن الخصم قدم دفتر عقاري صادر عن المحافظة العقارية بقسنطينة، رغم أن المنطقة المتواجد بها الفيلا غير ممسوحة، وهو ما يتعارض وحيازة هذا الدفتر العقاري. والغريب في قضية هذه الفيلا اللغز، أن القرار الأخير الصادر عن مجلس الدولة أغلق الملف بصفة نهائية، ولكن بطريقة "مشككة"، فاقت كل توقعات رجال القانون، حيث قضت الغرفة الأولى لمجلس الدولة في الجانب الشكلي بقبول إعادة الالتماس المقدم من الضحية بهلول، بينما رفضته في الجانب الموضوعي لعدم التأسيس. ويتعجب رجل القانون المزدوج الجنسية في تصريحه ل"البلاد" من القرار "العجيب" الذي جاء مخالفا لما تم تدوينه في مسودة القرار، الصادر عن الغرفة الأولى لمجلس الدولة المعنية بعريضة الدعوى التي حررها 4 قانونيين أوروبيين، متسائلا محدثنا عن المعايير القانونية المستند عليها في القرار الأخير من قبل قضاة المجلس. مع العلم أن ملف القضية كان ضمن الملفات الضائعة في المدة الأخيرة من داخل مكتب الغرفة الأولى..؟!