"رواد الأعمال الشباب, رهان الجزائر المنتصرة" محور يوم دراسي بالعاصمة    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)    مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية        ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 44211 والإصابات إلى 104567 منذ بدء العدوان    الجزائر العاصمة: دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    فترة التسجيلات لامتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق يوم الثلاثاء المقبل    العدوان الصهيوني على غزة: فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    الكاياك/الكانوي والباركانوي - البطولة العربية: الجزائر تحصد 23 ميدالية منها 9 ذهبيات    أشغال عمومية: إمضاء خمس مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    "كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    الغديوي: الجزائر ما تزال معقلا للثوار    قرعة استثنائية للحج    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    المخزن يمعن في "تجريم" مناهضي التطبيع    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    الجزائر محطة مهمة في كفاح ياسر عرفات من أجل فلسطين    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    47 قتيلا و246 جريح خلال أسبوع    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    دخول وحدة إنتاج الأنابيب ببطيوة حيز الخدمة قبل نهاية 2024    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    4 أفلام جزائرية في الدورة 35    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صور مهربة من مفرغة ”الطيميط” :عندما تعلق اللقمة بأطنان القمامة

لما تغيب الشمس عن مزبلة ”واد السمار”، تخرج الخفافيش أمراض تنفسية وجلدية تهدد الجميع حقيقة مرة يعيشها أولئك الذين امتهنوا مهنة ”قذرة” على حد تعبير الكثيرين ممن احترفوها منذ سنوات، وجدوا فيها ضالتهم بعدما أوصدت في وجوههم الأبواب، أبواب ”الرزق” وهناك من جعلها مهنة عابرة ليجد نفسه غارقا في أكوام العفن والقمامة سنوات طويلة، فلكل شخص في هذا المستنقع المفتوح هناك حكاية ولكل حكاية بدايات، فالبداية الأولى، كانت الخطوة لذلك الطفل الذي لم يتجاوز 16 سنة ليجد نفسه بين ”الطيميط” وبين الجرذان والروائح الكريهة في حين أصدقائه السابقين يتفاخرون بشراء ملابس العيد، وهناك من يفكر في المستقبل عندما تغلق المفرغة أبوابها فأين المفر؟تحقيق : فتيحة زماموش الجزء الثاني والأخير :
كل الصفات نعم··
البراءة لا·· لا·· لا
”مايحس بالجمرة غير اللي كواتوا”، بهذه العبارة أجاب”مهدي” (اسم مستعار)، 16 سنة، في روايته ل”البلاد”، هذه العبارة هي النهاية الحتمية التي وصل إليها ذلك الطفل الصغير الذي كبّرته سنوات العمل هنا، لا أمان ولا ظروف صحية ولا حتى نوم هادئ، كل هذه الكلمات الأخيرة واضحة في تقاسيم وجهه الذي حضرت فيه كل الصفات سوى صفة البراءة، نعم كم هو قاس أن نشاهد صورته وصورة أمثاله هناك، لون بشرة وجهه ربما كانت بيضاء لأن عينيه بنيتين فاتحتين، وشعره مائل إلى الأصفر الذهبي، لكن تلك البشرة كانت متسخة وفيها كدمات تدل على أنه خدش من قبل في شجار ما، سألناه عن تلك الندبة في خده الأيمن، رد قائلا دون خوف أو خجل وبكلمات حادة ”في شجار مع أطفال في قريتي بسيدي لعجال بولاية”الجلفة ”، تعرضت لجرح وبقيت آثار الجروح·
في إيماءة وجهه، وفي نظرة حادة نحو المجهول، حدق ”مهدي” بعيدا دون وجهة محددة ودون أفق، وعبر عن أمنياته بكل عفوية الصغار ولكنها تحمل آلام الكبار ولكن كم هي بسيطة تلك الأمنيات رغم صغر سنه واتساع المستقبل أمام طفل من المفترض أن لا تدخل في قاموس حياته المثل الشعبي جزائري القائل ”الشركة هلكة والجرب يعدي”، أي أن الشراكة بين إثنين دائما نهايتها الخسارة ولكنه ذكرها بملء فمه، وكأنه رجل مرت عليه محن الدنيا كلها، رغم أننا حاولنا وبصوت خافت نوعا ما بالقول ”المستقبل كله مازال أمامك”ئ، لكن نظراته كانت مأساوية، تعبانه، قاتمة وسارحة في المجهول، هي دليل على أنه فقد براءته كلها وأنهكته الحياة رغم سنه وأدخلته دوامة لا يمكن الخروج منها·
كنا نواسيه ونذكره بالمستقبل، حتى لا يفقد الأمل، خصوصا وأنه مازال عودا طريا وجسما صغيرا على مثل تلك الحمولات التي تفرغ من الشاحنات”، ولكنه ذكرها وراء بعضها، وقبل ذكر أمنياته سألنا لو لم يكن اسمك (···) ما هو الاسم الذي تختاره لنفسك، قال بفرح كبير ”مهدي”، سألناه مباشرة ”ولماذا ؟”رد قائلا :”لأنه اسم أحد جيراني والده كان يدلله كثيرا ويلبس جيدا ويدرس وتقدم له الهدايا”، من هذه النقطة بدأت قصة مهدي وهو لا يزال سنه صغيرا 12 سنة عندما هرب من منزله مودعا والدته التي تزوجت بعد وفاة والده وأصبح الطفل يعيش بين الخالات والعمات والأعمام، وبعدها تنقل من منطقته الصغيرة نحو مدينة ”عين وسارة” ومنها نحو المدية وهناك عاش شهرين عند خاله ليجد نفسه في حافلة كانت متجهة نحو العاصمة، وطبعا لتبدأ حكايته مع القمامة، فهو خرج مبكرا من المدرسة وترك مقاعدها في سن التاسعة ليجد نفسه يشتغل وهو صغير، وجسمه نحيل·
ورغم تلك السنوات التي مرت دون أن يحسب لها حساب، وربما مرت وكأنها قرون، لأنه لا شيء في يومياته سوى كيف يجمع القمامة وكيف يقبض ثمن ذلك في نهاية كل نهار، ورغم قساوة الظروف عليه، نسي هذا الطفل معها أسرته ووالدته وإخوته الصغار، ليجد نفسه اليوم وهو يحمل كيسا كبيرا أبيض مليئا بأشياء لم نتمكن من تفصيلها ولكنها أشياء صالحة للبيع، أو للمقايضة بشيء ثمين، المهم أن يجد لقمة في نهاية النهار·
يتنافس مهدي كغيره من ”المتهافتين” على لقمة العيش هنا، يراقب ويترقب الشاحنات يعرف متى يركض نحوها ومتى ينسحب مباشرة عندما تفرغ حمولتها وتضعها على الأرض؟
الكل هنا يتنافس من أجل ملء أكياس من أجل الحصول على ذلك الشيء الذي يمكن بيعه، المهم هو أن يحصل الشخص على مصروف اليوم·
هناك في مزبلة السمار بالعاصمة، أقل وصف يمكن إعادة رسم تلك الأجساد التي كان تترقب الأكياس وتسارع لتجمع ما يمكن جمعه، وإعادة وضعه في شاحنات أخرى ليتم بيعها أو توزيعها على المصانع أو المؤسسات التي تستعمل المسترجعات، لتحولها لمواد جديدة تباع في الأسواق·
هرمنا واشتعل
الشيب في رأسنا
أجساد أنهكها التعب وطول الانتظار، تجرها رائحة القمامة، ويحركها واقع مرير فرض عليهم لسبب أو لآخر، فجمع أي شيء يمكن أن يباع هو هاجسهم اليومي حتى يتمكنوا من العيش بفضله، المهم بالنسبة لهم أن لا تكون جيوبهم فارغة ويكون لديهم في آخر النهار مدخول يومي أو مصروف اليوم فقط هنا وهناك الكثير منهم تركوا عائلاتهم على بعد المئات من الكيلومترات، ومنهم من لم ير عائلته منذ أزيد من سبعة شهور، ليس بسبب العمل فقط ولكن لأسباب اجتماعية محضة·
رغم مرور 28 سنة ما يزال ”السعيد” يعمل هنا في وسط الجرذان والروائح الكريهة، إلا أنه يتواصل مع العالم الخارجي عن طريق الجرائد، الظروف جعلته يتحين الفرصة لجمع القمامة وبيع الحديد من البقايا بعد تجميعها في جهة أخرى في نفس منطقة ”السمار”ئ، هناك مقرا واضحا لتجميع الحديد·
تلك السنوات لم تكن حلوة بالقدر الذي كانت فيه مريرة جدا، دخلها وهو شاب عمره لا يتجاوز التاسع عشر ربيعا عندما سدت في وجهه الأبواب، خصوصا وأنه شاب كان يريد العيش المريح، دق العشرات من الأبواب بحثا عن العمل، كان وقتها الإرهاب هلك الكثير من القرى في العديد من الولايات، فلم يجد سوى أن يفر بجلده وأن يشتغل أي عمل، المهم أن يكون لديه مدخولا يعيل به أسرته التي أنهكها الفقر وشردتها الجماعات الإرهابية على حد تعبيره في أحد جبال مدينة ”بني مراد” بولاية”البليدة” وهو اليوم يحفظ عبارة الكهل التونسي الذي ردد على قنوات الفضائيات ”هرمنا واشتعل الرأس شيبا”، ليصف حالته الآن، ويشير بإصبعه إلى رأسه وإلى الشعيرات البيضاء التي اشتعلت مرة واحدة في رأسه، فمن يحتمل طيلة هذه المدة روائح كريهة مثل هذه، ويعيش على ما تجود به عليه القمامة؟
سؤال طرحه السعيد، مرات ومرات على نفسه قبل أن يطرحه علينا، قائلا إن الروائح هنا أصبحت بالنسبة لهم عبارة عن رائحة العطر، لأنهم تعودوا عليها·
الكثير ممن سألناهم عن سبيل تحملهم لمثل تلك الروائح الكريهة، قال البعض إنها مع الوقت تصبح شبه عادية، فتحملهم وصبرهم يشبه إلى حد بعيد تحمل عمال الفحم عندما يتعودون على روائحه والغازات المنبعثة منه يصبح جسمهم يتعود عليه، وعندما يستنشقون هواء نقيا يكون حالة غير طبيعية بالنسبة لهم·
في ظرف نصف ساعة كاملة قص علينا هذا الرجل قصته واختصرها في جملة أنه ”هرم وانتهى الأمر”، لقد قضى ثمان وعشرون سنة في هذا المكان القذر، ولديه ثلاثة أولاد على غرار العشرات من الأسر التي أصبح مكان عيشها وقوتها هذه المفرغة·
يشعرك بالرهبة، غموض، وحكايات كثيرة
مكان لا يقترب منه سوى من كانت له مصلحة هناك، فأي شخص غريب عنه يكتشفه الموجودين هناك من أشخاص يرتدون سترات برتقالية اللون دليل على أنهم يشتغلون في حراسة المكان الذي يتسع إلى هكتارات، شاحنات تدخل تباعا، واحدة تلوى الأخرى، لتبدأ فصول الدخول لأطفال ورجال نحو المكان، فالشاحنات التي كانت تدخل تباعا ستقوم بتفريغ حمولتها وهذا يعني أن الرزق سيبدأ بالتساقط كما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف، لكن في تلك اللحظات اقترب منا أحدهم، الظاهر أنه شم رائحة الصحافة من بعيد ولاحظ تحركاتنا ومحاولاتنا الفاشلة في البداية للحديث مع من يلتقطون القمامة، خصوصا أمام استغلالنا الفرصة للقيام بأخذ صور هنا وهناك حتى لا يتم منعنا بالقوة في الدقائق المقبلة·
حال اقترابنا من المفرغة من بابها الكبير لاحظنا تواجدا مشكوكا فيه لعدد من الحراس في بوابة المدخل الشمالي للمفرغة العمومية، في البداية كانت التجاوب معهم صعبا، أسئلة لم تجد الإجابات··
100 مليون سنتيم هو متوسط الدخل اليومي لمن يشتغلون في المفرغة بمجرد دخول الشاحنات، فإن دخلت 100 شاحنة عليها أن تدفع 100 دينار بمجرد دخولها هنا وهو ما أكدته عدة تصريحات متتالية ل”البلاد” على أن صاحب الشاحنة يعطي مبلغ 100 دينار عن دخوله للمكان لرمي النفايات، ولكن في حال رفض الدفع فالأمور يمكن أن تتطور إلى الصراع بالأسلحة البيضاء، تضيف نفس المصادر· هؤلاء الحراس الذين يحرسون دخول الشاحنات ودفعها للثمن موظفون من طرف شبكة تستغل المكان هنا في مزبلة ”واد السمار”·
من الطبيعي أن يعتبر الدخول إلى هذا المكان غير سهل، بل من الصعب بمكان أن تصل إلى خباياه والاطلاع على أسرار المفرغة لو لم نقم بعدة جولات استطلاعية للمكان، والقيام بزيارات خاصة والالتقاء بأطفال وشباب يزودوننا بمعلومات، في البداية كانت معلومات عامة وبعدها تطور الحديث والحوار والأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة فتصبح عبارة عن معلومات يمكن أن تؤكد واقع الاسم الذي يتعارف عليه الكثيرون هنا وحتى خارج المفرغة ”المزبلة الكبرى” تسمية ”إمبراطورية الطيميط”التي تتواجد فيها الكنوز والذهب والفضة والنحاس والحديد والبلاستيك والخشب والأكياس البلاستيكية والورق والعلف والجرذان والصراع من أجل البقاء هنا لاستغلال المكان من أجل مئات الملايين من الدينار·
في سياق الحديث مع هؤلاء اكتشفنا شيئا جديدا، يتعلق بطريقة الدخول إلى المفرغة، التي هي أصعب بكثير من الدخول إلى مؤسسة حكومية، فهنا كل شيء غامض، ومن ضبابية المكان، الذي يمكن وصفه بأنه لا شيء وراءه أشياء وكما يقول المثل العربي ”خلف المراعي فيه الذئاب” وكأن الباب الكبير للمزبلة هو الشجرة التي تخفي الغابة، فهنا لا يعترف العارفون بخبابا ”الطيميط” بالقانون بل يسيرها قانون الغاب·
المثير في الأمر أنه في هذه المزبلة تكثر الجرائم من شجارات يومية قد تتحول إلى عمليات قتل؟
الغلق حكاية أخرى،
لا تسمع سوى الدنانير
لقد تم الإبقاء على موقع واحد مفتوح في مفرغة ”واد السمار” تصب به النفايات، بسبب بعد مسافة مركز الردم التقني لأولاد فايت غرب العاصمة·
وكشفت مصادرنا أن مفرغة ”وزاد السمار” تستقبل يوميا أزيد من ألف شاحنة تحمل النفايات من مختلف بلديات الجزائر العاصمة المقدر عددها ب 57 بلدية وهي نفايات يومية لأزيد من أربعة ملايين شخص يعيشون في أحيائها·· المفرغة التي أنشأت سنة ,1977 يعني أن عمرها اليوم هو 34 سنة تستقبل أزيد من أربعة آلاف طن من النفايات يوميا، وبالتالي فهي تحتاج الى أيادي وسواعد وأجساد قوية لتحملها وترفعها من مكانها ليتم فرزها، خصوصا النفايات الثقيلة التي ترميها مؤسسات وشركات صناعية، فضلا عن النفايات المنزلية·
والشركات تدفع مبالغ تتراوح بين 600 و700 دينار على الشاحنة الواحدة، ولكن هناك مواد لا يمكن أن يتم دخولها المفرغة مثل ”المواد السامة ومحركات الشاحنات· ففي مساحة 32 هكتارا تترائ النفايات من بعيد حتى سائقي السيارات على مستوى الطريق السريع يرونها فعلوها يزيد على 160 مترا بشهادات الكثيرين ممن تحدثت إليهم ”البلاد”·
تحت الشمس الحارقة في أيام شهر أوت وفي أيام الصوم حين ارتفعت درجات الحرارة وفاقت 35 درجة مئوية استنشق الأطفال مختلفي الأعمار روائح كريهة، سامة وخطيرة على أجسادهم، الكيلوغرام من الحديد ثمنه 7 دنانير فيما يقدر ثمن النحاس ب 150 دينارا· أما البلاستيك فيقدر ثمنه ب 10 دنانير والألمنيوم ب 30 دينارا والزجاج ب25 دينارا والأكياس العشرة ب20 دينارا والأواني والملابس وغيرها من النفايات التي يمكن إعادة بيعها يتم بيعها هنا بطرق مختلفة وحسب الكمية والنوعية أيضا·
وطبعا المثير في الموضوع أن قيمة كل ما يمكن جمعه من طرف هؤلاء الأطفال تختلف حسب طبيعة الأشياء التي يتم جمعها، وحسب نوعها والوقت الذي يمكن أن يتحملوه في جمع المواد والألبسة والخردوات·
فهناك من يتمكن من جمع 2000 دينار يوميا وهناك من يستطيع أن يجمع ما قيمته أربعة ملايين سنتيم من كل مبيعاته، بل وأكثر من ذلكم هناك من يبيتون في بيوت مصنوعة من الكرتون ليتمكنوا من فرز ما يجدوه ليلا عندما تفرغ الشاحنات حمولتها وهذا بالنسبة للذين لديهم القدرة على تحمل الروائح الكريهة والمكان القذر·
مصائب قوم عند قوم فوائد
بالرغم من الآجال التي حددتها وزارة التهيئة العمرانية والبيئة لإغلاق مفرغة واد السمار والتي قدرتها حسب اللوح الإشهاري الموجود في عين المكان، فإن مشروع تهيئة المفرغة وتنفيذه يتطلب 34 شهرا بينما لاستغلالها يتطلب 48 شهرا، أي أربع سنوات وبالتالي فإن إغلاق المفرغة سيكون بحدود .2014
كل المعلومات التي توافرت لدى ”البلاد” من مصادر موثوقة في وزارة التهيئة العمرانية والبيئة، فإنه في البداية تم إسناد مهمة تحويل المفرغة أو المكب لشركة ”سيستام يابي” التركية، وهي تقوم بمختلف الأشغال لتنظيف المكان وردم كل النفايات الموجودةئوهي الشركة المتخصصة في مجال إدارة النفايات، لكن تم تسليم المشروع مرة أخرى لمجموعة لبنانية للاستشارة وتطوير النفايات على ثلاث مراحل والتي تكفلت بردم المفرغة وطمر النفايات من أجل إغلاقها وتحولها إلى مساحة خضراء· فيما ستتكفل بإنجاز مكبين للقمامة واحد في قورصو والثاني في منطقة الرغاية بالقرب من الجزائر العاصمة· وحسب المعطيات المتوفرة لدينا، فإن تكلفة العقد تقدر بأزيد من 47 مليون دينار جزائري، حيث تقوم الشاحنات المتواجدة في المكان بأزيد من 440 عملية كاملة لردم النفايات يوميا والعمل بالمناوبة في ثلاث مجموعات، أي 24 ساعة على 24 ساعة وذلك منذ نهاية سنة 2009 تستند لتقنيات ردم وطمر عالمية·
ومن خلال تصريحات المسؤولين في مجال البيئة، يتضح أن الجميع لم يقدموا آجالا محددة لإغلاق المفرغة، خصوصا تاريخ إغلاقها الذي تحاشى الوزير رحماني إعطاء الآجال بالتحديد·
ولكن الوزير رحماني قال في تصريح للتلفزيون الوطني قبل أشهر أنه سيتم إغلاق المفرغة على خمس مراحل حتى يتم التحقق من الحلول الممكنة لاستبدال المفرغة بمفرغة أخرى·
بالأرقام”
90 مفرغة منظمة في الجزائر
10 ملايين طن سنويا نفايات منزلية
985 مخطط على مستوى البلديات لجمع النفايات
6 آلاف آلة لجمع النفايات عبر البلديات بالعاصمة
إنجاز 40 مركزا للردم التقني و70 مفرغة منظمة في سنة .2014
20 ألف طن سنويا من النفايات الاستشفائية·
تعتبر طاقة استيعاب مركز الردم التقني لمنطقة ”أولاد فايت” أقل بكثير مما يستقبله يوميا من نفايات بلديات ولاية الجزائر·
فتح مركز جديد للردم التقني بمنطقة اسطاوالي الذي تصب فيه قمامات خمس بلديات مجاورة لهذه البلدية·
الدكتور عمر بن رضوان ل”البلاد”
الأمراض تهدد جامعي النفايات وأعراضها تظهر بعد سنوات
اعتبر الدكتور عمر بن رضوان، أن مفرغة وادي السمار تعتبر نقطة سوداء في وسط الجزائر العاصمة لما تفرزه من مخاطر كبرى على صحة الإنسان وعلى البيئة أيضا·
وشدد المختص في الأمراض التنفسية الدكتور بن رضوان على مدى خطورة تواجد مثل مفرغة ”وادي السمار” على السكان بسبب المكان المتواجدة فيه بالرغم من مشروع تحويلها نحو أماكن أخرى، داعيا في هذا التصريح ل”البلاد” إلى ضرورة دراسة كل المشاريع المتعلقة بوضع المفرغات على مستوى المدن وخصوصا مراعاة الظروف الصحية للمواطن·
وقال إنه من الإجراءات الصحية اللازمة لوضع المفرغات في الجزائر تتمثل أولا في أن تكون بعيدة عن التجمعات السكانية، وثانيا يضيف الدكتور أنه من اللازم أن تخطط السلطات والقائمون على هذا القطاع لإنجاز مفرغات عمومية تكون محاطة بمصانع تتكفل بإعادة تحويل النفايات مباشرة للحفاظ على صحة الإنسان والبيئة في نفس الوقت·
وفي رده على سؤال بخصوص ممتهني جمع النفايات في المفرغة، قال الدكتور بن رضوان إن كل من يعمل هناك ليس بمنأى عن الإصابات بأي أمراض أهمها الأمراض الجلدية والأمراض المتنقلة عبر المياه والمشاكل التنفسية والهضمية، فضلا عن الأدخنة المنبعثة من خلال حرق النفايات تتسبب في انبعاث دخان سام· وأكد المتحدث أن تلك الأمراض أو أعراضها لا تظهر إلا بعد سنوات عديدة، خصوصا بعد سن الأربعين ففي فترة الشباب يواصل المتحدث، لا تظهر هذه الأمراض·
بأي حال عدت يا عيد
كم هو صعب أن يعيش الشخص سنوات وهو يشتغل في مكان، تعود عليه، وتعود على زملائه في ”المهنة”، يتقاسم معهم الأحزان والأفراح، بل ويخلق بينهم الشحناء من أجل الكسب الوفير، سنوات أصبح كل واحد يعرف الآخر، يعرف حتى ما سيقوله من خلال إيماءة الوجه واتجاه العينين، وفي الأخير تمر السنوات وتصبح المزبلة هنا عبارة عن عائلة واحدة، فلربما يورث الزميل زميله فيما كسبه طول سنوات تعثره بين القمامة، وفي النهاية يأتي خبر غلق المزبلة وانقطاع الرزق عنوة، ولكن للأسف حتى الغلق أصبح عبارة تسمع لديهم في كل صباح ومساء، سيغلقون المزبلة وسيحولونها إلى مكان ما؟
الجميع هنا يتلقفون القمامة كما يتلقفون الأخبار عن أي مكان سيتم إليه نقل هذه المفرغة التي كانت عبارة عن رزقهم الوحيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.