الدعوة إلى بناء قطب انتخابي إسلامي·· ليس إعلان حرب على أحد·· ولا هو تسويق لو هو فارغ·· أو إثارة ارتجالية لعواطف نائمة·· بل هو الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح·· حيث ندرك جيدا أن الطريق إلى الديمقراطية الفعلية·· موحشة ومزروعة بآلاف الألغام·· ومسكونة بمزيج من الأحلام والآلام·· لكن لا بد من السير فيها· هنا في الجزائر·· تربض الوحوش النارية في كل مكان·· وينتشر قطاع الطرق في الزوايا المظلمة·· ويقف صيادو البشر خلف الستار·· ومن غير الحكمة أن يسير المرء وحيدا·· غافلا عن الأخطار المتربصة به·· فلا أقل من أن يتسلح بعيون وأيد كثيرة·· وبما هو أهم من ذلك·· أفكار غنية·· وخطط للنجاة والفوز·
نقول بثقة: إن أغلب الجزائريين·· يريدون الإسلام عنوانا لتطلعاتهم ·· بقدر ما يؤمنون أن الجزائر وطنهم والعربية لغتهم·· ويتمنون لويسترد الإسلام مواقعه المفقودة·· تلك التي استولى عليها سماسرة وانتهازيون·· بسندات ملكية مغشوشة·
إزاء هذا التطلع الشرعي·· ثمة قطاع واسع من الناس يودون أن تجتمع كلمة الإسلاميين على مشروع سياسي مشترك·· تتقاطع فيه قناعاتهم ورؤاهم وغاياتهم·· ويتحركوا من خلاله خطوة إلى الأمام·· ويختصروا به الطريق·· فيمنحوا البرلمان أفضل ما لديهم من كفاءات·· ويريحوا الناخبين من عناء الاختيار المحرج·
لا يكف محترفو (الانتقاد الأجوف)·· عن إرسال إشارات التخذيل·· فسلالهم عامرة براجمات الصواريخ·· ولوائح الإدانة·· والنصائح المفخخة·· فعندما ندعوإلى قطب انتخابي إسلامي·· يقولون لنا·· أنتم تخشون الفشل·· وتريدون تغطية عجزكم بثوب التحالف·· وهناك من يقصفك مباشرة·· فيتهمك بالانتهازية والسعي لاصطياد الأصوات بنشر شبكة كبيرة في بحر الانتخابات·· ويزيدون على ذلك باختبار صدق نيتك ·· فيدعونك لتأجيل التحالف إلى ما بعد الانتخابات إن كنت صادقا وجادا ·· بتقديرهم طبعا·
إن من لا يقتحم البحر·· ويأبى مواجهة أسنان البركودا·· ويخشى عضة القرش·· سيجلس على صخرة عالية·· يتفرج على الأمواج·· ويتحدث عن الكائنات المخيفة المتربصة تحت الماء·· هذا شأن من لا يفعل شيئا·· ويرغب في أن يصدقه الناس ·· ونحن ندعو هؤلاء أن ينزلوا إلى البحر مثلنا·· ويغسلوا أقدامهم بالماء المالح·· ويكفوا ولومؤقتا عن الثرثرة المأجورة·
نحن نعتقد أن الظروف الراهنة استثنائية للغاية·· فالربيع العربي لكل العرب·· وليس معقولا أن يسترد الناس حرياتهم في كل مكان·· ونظل نحن على حال من التفكك·· ندفع الثمن ونتكبد الخسائر يوميا·· مستسلمين لمن يدعي أن للجزائر خصوصياتها·· في حين أن الديكتاتورية لا خصوصية لها·· ولا تميز بين الناس·· وتوزع بركاتها عليهم بالتساوي·
الديمقراطية باب الحرية·· وهي الأداة التي نكسر بها القيود التي تغل إرادتنا·· فنحن نواجه إدارة شرسة ومتحيزة·· متمرسة في تزييف إرادة الناخب·· وبجانبها ينتصب بعبع أحزاب السلطة التي تكشر عن أنيابها في كل موعد انتخابي·· ومن وراء الستار ترد إشارات تنبئ عن تداعيات خطيرة لوفاز الإسلاميون في الانتخابات·
إزاء كل ما يقع·· تقتضي الحكمة والواجب تجميع القوى الإسلامية المتناثرة·· فالمبادئ واحدة والغاية النهائية مشتركة·· والرهان ضخم·· والتحديات غير يسيرة·· وبتقديرنا أن تجربة التحالف الانتخابي المسبق·· مقدمة لأي تحالف حكومي محتمل·
كان البعض في التسعينيات يدعو لوحدة الصف الإسلامي·· ولا يتحرج عن اتهام من يشتته ·· فلماذا يغيرون رأيهم اليوم·· وما الذي تبدل حتى تتبدل قناعاتهم يا ترى؟!
نحن نواجه ناخبين يقولون (إذا كنتم جميعا على حق·· فلمن نعطي أصواتنا؟)·· وهم محقون في ذلك·· ففي سياق انتخابي يتسم بكثرة الشعارات واللافتات·· ثمة حاجة لتعلو راية إسلامية واحدة·· إزاء رايات علمانية وجهوية وانتهازية تملأ المشهد الانتخابي·
نضيف إلى ما سبق·· أن فكرة التحالف في جوهرها مرتبطة بممارسة الناس لحريتهم السياسية·· فإذا ما اختارت الأحزاب ذات التوجه الإسلامي أن تتكتل انتخابيا·· فهل من مانع؟·· وهل ينتقص ذلك من حرية الآخرين؟ إن هذا التكتل ليس إجباريا·· وليس موجها ضد أحد·· ومن أراد أن يعزف سيمفونيته وحده فله ذلك·· إن وجد من يستمع له·
من يقف ضد التحالف الانتخابي الإسلامي؟
هذا السؤال يثير الجدل·· لكنه ضروري لإضاءة زاوية خفية في واقعنا السياسي·· فالاستئصاليون وكل من يخاصم التيار الإسلامي·· ويستفيد من تشرذمه·· وعموم من يحرص على الاحتفاظ بالبحيرة الراكدة·· مفضلا بحكم حساباته الخاصة الاصطياد في العفن ·· يضاف إليهم المسكونون بوهم التفوق وعقدة الزعامة من بعض الإسلاميين·· إلى جانب الفئة التي تشوشت نظرتها للأشياء·· وانعدمت لديها القدرة على التمييز بين الحقائق والأوهام·· كل هؤلاء·· وكل بأسلوبه الخاص·· يقف في وجه هذا التحالف·· ولا يريده أن يكون·· أوأن يحقق أي مستوى من النجاح·
في المقابل·· يظهر الطريق إلى بناء قطب انتخابي إسلامي واضحا وسالكا·· بين يدي من يستشعر المسؤولية التاريخية إزاء ما تعانيه الجزائر·· ويدرك الفوائد الجمة التي تترتب عن الالتقاء بعد الافتراق·· وكم هوجميل أن نكتشف جميعا·· ولو بعد عشرين سنة من التخبط·· أن ما كان مستحيلا·· أضحى اليوم ممكنا ·· وما يراه البعض نافلة سياسية·· هو في الصميم·· من أوكد الفروض الكفائية·