الآن وقد رمت مصر أثقالها لتؤرخ لزلزال أخرج قاهرة المعز من عزة «ادخلوها بسلام آمنين»، ليرمي بها في مستنقع لهم في كل موقعة، مذبحة، حيث القاتل قاتل مصر والقتيل قتيلها، الآن، وبعد حول وما يقارب أشهره الستة من ثورة عبدوا ميدان تحريرها كعجل سامري، أغوى ميدان تحريره بسطاء أم الدنيا فجرهم إلى مستنقع الفوضى والانفلات والعزة بإثم أنهم ثائرون.. الآن وقد رأينا ما «رعينا» من تيه أخرج مصر من سلطان «مصر التي في خاطري» فهوى بها إلى سلطان «مصر التي في..خطر»، نقول ودون أي تردد ولا تروّ إنكم يا أهل مصر قد أعدتم كتابة التاريخ بقلم وميداد «لا مساس»، فالتيه شرع بابه وقاهرة المعز كُتب عليها أن تدفع ثمن «عجل» فرض عليها المغامرون عبادته باسم الحرية المنشودة وباسم أن الثورة كان من المفروض أن تنهي آل مبارك وجورهم وبوار عصرهم، فإذا بها تنهي مصر وإذا بأيام ما بعد مبارك، تُرسخ أن مصر انتهت في سرير مع حسني مبارك السجين، حيث الجلسة مفتوحة والقاضي لم يكن في حقيقة أمره و«خمره» غير «شاويش» مبارك الذي اعتلى كرسيا من خلاله أراد لجميع وجمع مصر أن يدفعوا ثمن «العجل» الذي عبدوا.. بعضهم في مصر وفي ليبيا وفي غيرها من «بؤر» الربيع العربي المتفشي على «هدم» وساق، يتسترون بورقة توت و«موت» غبية عنوانها أن الدماء التي نزفت بعد ثوراتهم تحصيل حاصل لثورة تعيش مخاضا عسيرا لا بد له من تكلفة ومن ضريبة، والسعر في رأيهم مبرر وعادي، ماداموا بعد سنة أو بعد عشر ولما بعد قرن سيعودون بمصر وبليبيا إلى مصاف الأمم المتقدمة، والسؤال العميق في متتالية سقوط الأوراح البريئة على مشعل «التثوير»، هل قُدّر للفقراء أن يكونوا ويظلوا أبدا قربانا وحطبا للعبة «العجل» المعبود، سواء كان ذلك قبل ثورة أو بعدها؟ فالناس يموتون وقوت اليوم انتهى والوطن ضاق بقاطنيه، ورغم ذلك فإنهم مازالوا يصرون، في مصر وفي غيرها من بقاع «ربيع» الموت العربي، على أنهم قادمون وأن للحرية بابا بكل يد مضرجة «يدك» بدلا من يدق التي ورثناها، والثمن يا ثوار ويا بوار «مصر» دماء سالت مرة في مذبحة ماسبيرو حيث «الدماء الخلاقة» سقت ثورة مصر بفوضى انتقلت من مكان إلى «أمان»، ليصبح الحدث في مصر هو اللحظة التي لا يسقط فيها قتلى وليس العكس، أما واقع الموت والعفن والتلاعب بغد مصر فإنه انتقل من مسابيرو إلى ملعب بورسعيد ومباراة كم قتيلا عندكم في «ماتش» اليوم، لينتهي قبل يومين بالعباسية، حيث واقعة «يا ابن أمي لا تقطع رأسي» فالعجل عجلهم والثورة ثورتهم ومصر لا أب لها يسأم.. مذبحة العباسية التي سقط فيها عشرات القتلى في مسلسل توزيع «القتل» بين الجميع، تلك المذبحة وضعت مصر التي كانت في «خاطرهم» في خطر حقيقي يحتاج إلى وقفة مع الذات ليعرف أهلنا هناك إلى أين هم ذاهبون بمصر نعتقد أنها ليست حكرا عليهم كون الأمر يعني الأمة العربية برمتها لما تلك ال«مصر» من امتداد و«مدد» يتجاوز جغرافية الأوطان، فالفوضى لم تعد «مُرّا» ولا ممرا عابرا، وإنما مسلسل مستمر من العبث «الدموي» الذي يتقاطع في «تثوريه» وتأزيمه وتدويمه نسبة إلى الدوام عسكر الباشا وثوار على مقاس الباشا، أرادوها هكذا، عملة وسطية، لا أمن ولا حرب، لا استبداد ولا ديمقراطية، وبعبارة أدق «نص نص» على طريقة راقصة «العطب» العربي نانسي عجرم التي أفلحت في التنبؤ بحالة «النص النص» التي غرقت فيها الأمة العربية من المحيط إلى حدود «قطر»، حيث الموز استثناء خارج مائدة التآكل السياسي المعولم.. لقد وقعت المصيبة وأي تجاوز لحقيقة الانهيار الكبير قفزة كبيرة عن الجلل الذي ألم بالأمة العربية بسقوط «مصرها» في فوضى مستشفى «العباسية» حيث وصفة «الجنون» المتفشي فتحت الأبواب على مصراعيها و«صارعيها» لإدخال مصر دفعة واحدة مصحة «ثورية» تحتاج إلى علاج وليس إلى عجل معبود، وذلك لتشخيص حالتها من أزمة ومن كذبة «الثورة» التي لا تنمو إلا على دماء فقرائها بقطع رزقهم ونسلهم و«مصرهم»، وكأن قدر «الغلابى» على مر العصور، أن يدفعوا ثمن الاستبداد وأن يدفعوا كذلك ثمن الحرية في تجاهل مقيت وسطو أمقت عن «حق» الحياة، قبل الذهاب مباشرة إلى الجنة التي قد لا يدخلها الفقراء.. فلول نظام مبارك المتهمة بتعفين الوضع في ماسبيرو ثم في ملعب بور سعيد وأخيرا في العباسية، تستدعي وقفة للبحث والتقصي عن القدرة العجيبة لتلك الفلول التي لم تستطع الصمود أكثر من ثلاثة أسابيع، يوم كانت تمتلك كل وسائل الصمود والمقاومة، فيما لاتزال تتحكم في الوضع وتوجهه لمدة تقارب العام والنصف من ثورة ميدان التحرير، أليس في الأمر غرابة و«غباوة» أن تعلق الثورة الكبيرة والعظيمة والتاريخية قشة إفلاسها على سرير مبارك المرمي في المستشفى، فيما تتجاهل حقيقة ناصعة البياض و«البيض» عن «فلول الثورة» التي قتلت أحلام وآمال فقراء وغلابى ومساكين مصر، يوم صفقوا وقاتلوا لمصر التي في خاطرهم، فإذا بهم يصحون من الحلم الجميل على كابوس أن «مصر التي في خاطري»، أضحت «مصر التي في خطر».. ثورة مصر انتهت بفعل زمرة المشير الطنطاوي إلى المأزق، والربيع الذي اعتقدته مصرنا، قد أورق في ميدان التحرير، أخرج القاهرة الأكثر عزا من طوقها التاريخي العميق لينتهي بها المسار إلى أنهم في «مصر» يتقاتلون ويتسافكون دما وألما والقتيلة قبل أن تكون مصر، أمة عربية تنعى بكل أسى وحزن ما حل بمن كان يحلو لنا أن نسميها تاج الرأس.. فوداعا مصر وسلاما على ما تبقى من مصر..