أكد إحباط محاولة ارتكاب عملية إرهابية بحزام ناسف في مدينة دلس نهاية الأسبوع الماضي ''السقوط الحر'' لنشاط الجماعات الإرهابية التي عجزت على جعل هذه الصائفة شبيهة بالصائفة الماضية من حيث وتيرة الفعل الإرهابي التي استهدفت المواطنين والمؤسسات الحيوية، كان آخرها مباغتة الطلبة الذين توافدوا على المدرسة العليا للدرك الوطني، حيث خلف الاعتداء الإرهابي عددا معتبرا من الضحايا. وقبل يسّر، شهدت الولايات الواقعة شرق العاصمة، اعتداءات إرهابية عديدة ومتكررة، وبالأخص خلال جويلية وأوت. وإذا كان السقوط الحر لدروكدال مرده بالأساس إلى الاحترافية التي أثبتتها قوات الأمن في تعقب عناصر هذا التنظيم واستباق جرائمه، فإن التراجع ''القاتل'' للسلفية في الجزائر- من جهة أخرى -لم يكن إلا نتيجة مسار التحولات الكبيرة التي شهدها، ولازال يشهدها، التنظيم الإرهابي منذ بلغ نقطة أوج الجنون الإجرامي السنة الماضية، وبالأخص خلال فصل الصيف. بحيث بدأ هذا التنظيم يشهد نزيفا دوريا ومنتظما في الموارد البشرية التي صنعت - إلى وقت كبير- حطب نار الجماعات الإرهابية، بحيث تميز عدد من الذين قرروا إعلان القطيعة مع جحيم الإرهاب، تحت إمرة الإرهابي أبو مصعب عبد الودود، بكونهم من القدماء ومن أمراء الكتائب والسرايا (وهؤلاء يعتبرون في التنظيم الاإهابي بمثابة الأوتاد التي تشد البناء وانسحابهم يعني بالضرورة تهديد البناء بالنهيار). إضافة إلى عناصر آخرين في مستويات دنيا، غير أن عددهم الكبير يجعلهم يفضلون تماسك التنظيم الإرهابي واستقراره. ومن جهة أخرى، التململ الذي يشهده تنظيم دروكدال بحيث ترجح معطيات أمنية أن دوركدال يعيش حاليا أصعب وأحرج أيامه على رأس التنظيم، وذلك بسبب الخلافات الكبيرة التي تعصف ب''الجماعة السفلية'' جراء المعارضة الواسعة والشديدة لسياسة دروكدال وإستراتيجيته من قبل قطاع كبير من أمراء السرايا والكتائب الذين يبدو- حسب بعض المتتبعين للشأن الأمني- أنهم قد أضحوا أقرب إلى الاستقلالية منهم إلى الانتماء والولاء التنظيمي الصرف لقيادة أركان السلفية. كل هذا يؤسس، في نظر المتتبعين للملف الأمني في الجزائر، للرأي القائل ب''السقوط الحر'' لتنظيم دروكدال، وذلك ما يفسر العجز عن جعل الصائفة الحالية نسخة ''طبق الأصل'' للصائفة الماضية من حيث عدد ووتيرة العمليات الإرهابية التي استهدفت الولاياتالشرقية المحاذية للعاصمة. وما يؤكد هذا الطرح هو أن العادة والتقليد عند الجماعات الإرهابية ترسخ هو أن التصعيد من وتيرة العمليات الإرهابية يتناسب طردا مع شعور المسؤول عن التنظيم الإرهابي بأن رأسه مطلوبة من قبل أقرانه أو عندما يشعر ببروز مؤشرات توحي بمعارضة، حيث يصبح الفعل الإرهابي ''ردا عمليا'' ب''أحقية'' الأمير بالبقاء على عرشه! كما لا يخفى أن القاعدة ''الذهبية'' لدى الجماعات الإرهابية ''تفرض'' - عرفا على الأقل- بأن رأس التنظيم لا يكون إلا للأكثر فتكا وإجراما. ولكن إذا كان هذا المبدأ صحيحا إلى حد ما في عهد ''الجيا'' منذ تأسيسها حتى اندثارها في عهد ''أبو تراب'' وانبعاث ''الجماعة السلفية'' في عهد حطاب ثم نبيل صحراوي، فإن عهد ''القاعدة'' فرض مبدأ ثانيا وهو الترجمة ''الكاثوليكية'' لإيديولوجيا ''قاعدة'' أسامة بن لادن. وعلى هذا الأساس، حاول دروكدل عبثا أن يكون رجل المرحلة.. إلا أنه في النهاية تبين أن عباءة ''قاعدة المغرب الإسلامي'' كانت أكبر وأوسع منه بكثير، وهو ما شعر به أتباعه، غير أن مرحلة ''الانتفاضة'' عليه لم تكن قد حانت إلا عندما تكررت أخطاؤه.. وأكبرها على الإطلاق تطاوله على العلماء وتسفيه آرائهم (بوصفهم بعلماء السلاطين وفقهاء المارينز مما أثار غضب المتعاطفين مع الخيارات ''الجهادية'' وأدى إلى انقلابهم عليه) فضلا عن أخطاء ميدانية أخرى كانت ''قاتلة'' بالنسبة لتنظيم دروكدال على غرار ''تناقضاته'' الصارخة عندما يدعي الدفاع بعض قضايا الأمة.. لكنه في المقابل يستبيح دماء الجزائريين، إضافة إلى أخطاء أخرى سجل دروكدال الإجرامي حافل بها! وعلى هذا الأساس، يمكن قراءة دخول أبو يحيى اليبي على الخط من خلال المباركة التي يكون قد حازها من قبل قيادة أركان ''القاعدة'' بزعامة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ما يعني- في نظر المتتبعين- بأن هؤلاء الذين يبدو أنهم قد زكوا أبو يحيى الليبي لم يجدوا في آداء دروكدال، ولا في رصيده الإيديولوجي، ''فقها'' ملموسا للمحاولات السابقة التي حاولوا فيها تبني جرائمه وإضفاء الشمولية والعالمية عليها! ولعل آخر التقارير الأمريكية حول التواجد الجزائري القليل في صفوف الجماعات الإرهابية في العراق وعدم صمودهم في صفوف هؤلاء وبعدهم عن مواقع ومراكز القيادة، يؤكد أن الجزائريين- بالطبيعة- الأقل استعدادا لترجمة أفكار ''القاعدة'' أو التجاوب معها. ما يفسر أن عددا كبيرا من هؤلاء غادروا صفوف الجماعات المسلحة في العراق، إضافة إلى عدم سطوع نجم أي من هؤلاء العناصر الذين اغتروا في بداية الأمر بمثالية المقاومة ومبرراتها في قتال الأمريكان قبل أن يتبين لهم أنهم ''أسرى'' إيديولوجية القاعدة التي لا تتوافق - في الغالب- مع طبيعة تكوينهم وقناعاتهم. كل هذا يأتي ليؤكد الفشل الذريع الذي مني به دروكدال في الداخل، عندما حاول أن يزرع في الجزائر غرسا إرهابيا..أرض الشهداء ليست تربته، ما يعني في النهاية أن دروكدال وتنظيمه في الجزائر بصدد السقوط إلى الهاوية سقوطا حرا..!