أجمع المتدخلون في ختام الجامعة الصيفية الأولى للنقابة الوطنية للباحثين الدائمين، أمس في معرض النقاش حول الجدلية القائمة بين الشرعية التاريخية وشرعية الكفاءات في الجزائر، على المطالبة في هذا الشأن بأولوية الكفاءة العلمية على الشرعية التاريخية في شغل المسؤوليات، وعلى ضرورة التأسيس لسلطة علمية جادة تكمّل السلطة السياسية ويمثلها جموع الباحثين من دائمين وأساتذة جامعيين على غرار ما هو معمول به في الدول المتقدمة التي تستعين بالعلميين لتنفيذ سياساتها الخارجية والاقتصادية والعسكرية أيضا. وفي السياق ذاته أكّد منسق ''الكناس''، مليك رحماني، أنّ وزارة الخارجية الأمريكية مثلا تعتمد في تحديد خياراتها من خلال آراء علميين يتكفل كل واحد منهم بملف معين. فيما يبقى العلميون الجزائريون والذين يمثلهم أساسا الباحثون والأساتذة الجامعيون غير مؤهلين لتحمل مسؤولياتهم وأداء دورهم البارز في المجتمع، ويظهر ذلك جليا من خلال احتلال ذيل الترتيب في قوائم الترشيحات ومحاكمة بعضهم لمجرّد الإدلاء بآرائهم، ومن ثمّ فلا بد من أن يسترجع المثقف الجزائري مكانته بانتزاع حقوقه كاملة. أما الأمين العام للفيدرالية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي، لحسن دريسي، فقد أشار إلى المتناقضات التي تعرفها الجزائر منذ الاستقلال والتي أفرزت تهميشا شاملا للمثقف كأن تنتج الطماطم في أدرار وتصبّر وتحوّل بعنابة، أو كأن يتكوّن الجامعي ببومرداس في حين أن مجمل مصانع البترول تنتشر بالمناطق الصحراوية. في حين أشار الأمين العام للنقابة الوطنية للباحثين إلى كون الجامعات الجزائرية لم تنخرط في آلية التقويم والتأهيل المعتمدة عالميا، الأمر الذي أسفر عن احتلالها المراتب الدنيا بالرغم من غنى ترسانة المتخرجين منها، مشيرا إلى تخرّج 148 ألف جامعي هذه السنة في مستوى التدرج و20 ألف آخرين في مستوى ما بعد التدرج، فيما يبلغ سكان دولة البحرين 148 ألف تقريبا،في نفس السياق، أكد المتدخلون في اليوم الأخير من النقاش، أهمية استرجاع الجامعة لدورها في المجتمع والدولة، لكن ظهرت وجهات نظر مختلفة بين المشاركين في النقاش. ففي حين أكد حسن دريسي، الأمين العام للاتحادية الوطنية للتعليم العالي على أهمية قيام صحوة وثورة في البلاد، لإنهاء الشرعية الثورية والانتقال إلى شرعية الكفاءات. قال أساتذة آخرون أن هذه المقاربة ليس أولوية وليس في صميم انشغالات الأساتذة الجامعيين ونقيض لاستقلالية المثقف دوره في الإنتاج المعرفي. و اقترح الجامعي، مصطفى بن احمد، أستاذ الهندسة بجامعة البحرين في هذا السياق، التركيز على بناء سلطة علمية عبر الإنتاج الفكري، وإذا تمكن الباحث الجامعي من فرض سلطته العلمية، فإنه سيحصل على دور في المجتمع. وفي نفس التوجه، أشار سماتي زغبي، رئيس نقابة الأساتذة الباحثين إلى أن الرئيس بوتفليقة، دعا شخصيا الأسرة الجامعية في خطابه عند افتتاحه السنة الجامعية في عام 2007 باتنة إلى انتزاع دورها. واقترح زغبي على الجامعيين الانخراط في العمل السياسي والنقابات والمجتمع المدني والنضال. داعيا للاستفادة من تجربة الحركة النسوية التي تمكنت من انتزاع تعديل دستوري لمنح المرأة مكان في المجالس المنتخبة.ورفض زغبي التقارير التي تتحدث عن تخلف الجامعات الجزائرية في ترتيب الجامعات في العالم، موضحا أن هذه الجامعات لم تدرج في التصنيف لنقص في شفافية الإنتاج العلمي الوطني.. كما استغل أساتذة باحثون، المناسبة لطرح قضية الأجور والنظام التعويضي، متوجهين بالسؤال إلى ممثلي النقابات المشاركة في الندوة. وفي ردها أكدت النقابة الوطنية للباحثين الدائمين على أنها تفضل خيار ''خذ وطالب'' بناءا على مبادئ المركزية النقابية. كما أكّد عدد من المتدخلين أنّه لا أمل من تقفي آثار السياسيين وأنّه لا بد من تشكيل سلطة علمية متعددة الروافد والتخصصات تكون بمثابة السند القوي والذراع الأيمن للسلطة السياسية يستعيد من خلالها الباحث والأستاذ الجامعي مكانته ويبرز دوره في المجتمع، ويساهم في بناء اقتصاد قوي في صالح بلده.