مبعوثة هولاند تعبث بأعصاب الجزائريين أنهت مبعوثة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند زيارتها للجزائر التي دامت ثلاثة أيام، بالتعبير الدقيق عن العلاقات الثنائية بين البلدين. وفي آخر يوم من الزيارة الرسمية التي بدأتها الخميس الماضي الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية الفرنسي المكلفة الفرنكوفونية للجزائر، قالت المتحدثة في أعقاب لقاء جمعها بوزير التربية الجديد بابا أحمد، إن دعم تكوين المؤطّرين لتعليم اللغة الفرنسية في الجزائر عنصر هام من عناصر تنمية العلاقات الثنائية بين الجزائروفرنسا، ولم يتخلّف وزير التربية الجديد «الجزائري طبعا» عن دعم الطرح الفرنسي عندما أشار إلى أن لجنة مختلطة سيتم تنصيبها بشكل عاجل لمتابعة هذا الملف وإعداد حصيلة في هذا المجال. حدث هذا قبيل مغادرة الوزيرة المنتدبة المكلفة بالفرنكوفونية لبلادنا مساء أمس، والتصريح في حد ذاته تعبير حقيقي عن جوهر العلاقات الجزائرية الفرنسية. فالدوائر الفرنسية المهتمة الفرنكوفونية لا يمهما التعاون الاقتصادي والسياسي وفق منطق المصالح المتبادلة بقدر ما يهمها إبقاء الجزائر في الحظيرة الفرنكوفونية كي يسهل جرّها نحو التنازلات الاقتصادية والسياسية. وإذا كانت العلاقات بين الجزائر وباريس عرفت توترا عميقا خلال عهدة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، فإن بدايات هولاند كانت مشجعة بالنسبة للطرف الجزائر الذي لمس في الإشارات الفرنسية وتوجهاتها نحو المهاجرين والعلاقات مع الجزائر نوايا حسنة، إلا أن المسار القصير الذي قطعته حكومة هولاند حتى الآن يؤكد أن تغييرا يحدث الآن بشأن أولوياتها التي يطبعها في الظاهر الاهتمام السياسي والاقتصادي، لكنها تجعل في مقدمة كل علاقاتها مع الجزائر المجال الثقافي واللغوي، باعتبار أن فرنسا لها من مناطق النفوذ الاقتصادي ما يغنيها عن الجزائر خصوصا أن جغرافيا دول الربيع العربي توفر للشركات الفرنسية تربة خصبة للنشاط والاستثمار في شتى القطاعات (ليبيا وتونس خصوصا). السياسة الفرنسية التي تعتمد على الرفع من الاهتمام بالمجال الثقافي واللغوي ترجمها النشاط غير المسبوق للمعاهد الفرنسية الثقافية في العاصمة وعنابة ووهران وتلمسان، نشاط يوازي في أهميته وحجمه نشاط وزارة الثقافة عندنا لدرجة أن الثقافة الفرنسية خصصت تحفيزات لتعلم الفرنسية وخوض المسابقات والنشاطات الفرنكوفونية وغيرها، وهذا لن يخرج عن دائرة ما خصصته الحكومة الفرنسية في ميزانيتها لصالح هذه الأنشطة، حيث أشار تقرير صدر قبل سنتين إلى رصد مليار أورو لفائدة دعم الأنشطة الفرنكوفونية في العالم، بينما يتم إحصاء نحو 11 مليون فرنكفوني في بلادنا إلا أن تقارير متعددة بدأت تشير إلى تراجع الاهتمام بهذا الجانب لصالح اللغات الحية الأخرى وفي مقدمتها الإنجليزية إضافة إلى اللغة العربية. تصريحات الوزيرة الفرنسية المكلفة بالفرنكوفونية تترجم الحرص الفرنسي على تنمية هذا الجانب وإعطاءه الأولوية القصوى في العلاقات الثنائية بين البلدين، لكن في المقابل يعتبر هذا التصريح عبثا بأعصاب الجزائريين الذين ينتظرون أن تكفّر فرنسا عن جرائمها وعن ذنوبها إزاء التاريخ في الجزائر، ويبدو أن لفرنسا حسابات أخرى غير تلك التي يجمع ويطرح فيها الجزائريون حصاد علاقاتهم مع مستعمر الأمس.