نظم مئات المواطنين، اليوم الأحد، تجمعا احتجاجيا حاشداً قرب مبنى البرلمان للتعبير عن رفضهم لمشروع قانون المحروقات، موازاة مع انعقاد مجلس الوزراء الذي صادق على مشروع القانون. على غير العادة عرفت الجزائر العاصمة عبر مداخلها ومخارجها تعزيزات أمنية، منذ الساعات الأولى من صبيحة أمس، وكان هذا عقب انتشار دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للتظاهر ضد مساعي تمرير مشروع قانون المحروقات. وتوافد المئات من المواطنين للتظاهر أمام البرلمان ومطالبة حكومة بدوي بالتخلي عن مشروع قانون المحروقات، غير أن قوات الأمن منعتهم من الوصول إلى مبنى المجلس الشعبي الوطني وحاصرتهم أمام فندق السفير. وبلغت الوقفة أوجها في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا بعد تضاعف عدد المتظاهرين قبالة فندق السفير، مرددين شعارات رافضة لقانون المحروقات الذي أثار الكثير من الجدل وسط الخبراء والطبقة السياسية بعد تداول منحه امتيازات ” غير مبررة ” للشركات البترولية والأجنبية. واضطرت مصالح الأمن إلى تفرقة المحتجين وإخلاء شارع عسلة حسين لتسهيل حركة المرور، ما جعل المتظاهرون يتمركزن بقوة في الشوارع الثانوية المؤدية إلى مبنى الغرفة السفلى كشارع بوحميدي محمود وشارع مصطفى بن بولعيد وشارع عبان رمضان. ومن بين الشعارات التي تصدرت الوقفة الإحتجاجية: ” يا للعار يا للعار باعو دزاير بالدولار ” و ” قانون المحروقات في القمامة ” و ” لا لقانون المحروقات “، ورفع المتظاهرون شعارات أخرى مناهضة للبرلمان، بسبب تمريره لكل المشاريع التي تحال من طرف الحكومة دون اعتراض أو رفض ومن بين الشعارات التي رددها المتظاهرون ” برلمان خونه “. واعتبر المتظاهرون أن المشروع يهدف إلى بيع الثروات الباطنية للشركات متعددة الجنسيات . وبينما كان المتظاهرون محتشدون أمام مبنى زيغود يوسف، برزت مؤشرات تؤكد تمسك حكومة بدوي بنص المشروع حيث دافع مدير المحروقات بوزارة الطاقة مصطفى حنيفي، أمس، لدى نزوله ضيفا على منتدى ” المجاهد ” عن مشروع القانون. وقال إن: ” هذا القانون سيمنع سيناريو ذهاب الجزائر نحو استيراد الغاز في غضون 2030 لأن الاستهلاك المحلي متصاعد “، واعتبر أن ” مراجعة النظام الضريبي من أكبر إيجابيات المشروع ما سيسمح حسبه بجلب أكبر عدد من المستثمرين الأجانب ورفع مداخيل الدولة “. وأوضح أن ” قانون المحروقات الجديد أعدته كفاءات جزائرية ولم يمل من طرف الأجانب أو الشركات العالمية “، مضيفا أن التعديلات التي تم إدراجها في مشروع القانون تتسم بالمرونة في التعاملات من خلال تطبيق لامركزية القرار . واتسعت رقعة الغضب ضد مشروع قانون المحروقات الجديد لتشمل ولايات أخرى حيث نظم عمال ومواطنون، وقفة سلمية، أمام شركة سونطراك ببجاية للتعبير عن رفضهم له، ورفعوا لافتات كتب عليها: ” لا لقانون المحروقات “، و ” لا للمساس بسيادة الوطن “، وفي ولاية الوادي نظم العشرات من المواطنين وقفة احتجاجية أمام مقر المديرية الجهوية لسونطراك رفضا لمشروع القانون. ويبدوا أن مهمة تمرير مشروع قانون المحروقات الذي صادق عليه مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد القادر بن صالح، أمس، لن تكون سهلة بالمرة، فمعظم الكتل البرلمانية رفضته. واعتبرت الكتلة البرلمانية لجبهة المستقبل أن مناقشة حكومة تصريف الأعمال برئاسة نور الدين بدوي أمرا غير مقبول، ” باعتبارها حكومة تصريف أعمال “، وأعلن رئيسها الحاج بلغوتي في تصريح صحفي ” رفضه مناقشة المشروع قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، أما رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم في الغرفة السفلى، أحمد صادوق فقد أعلن أن الحكومة الحالية غير شرعية ومرفوضة شعبيا، واقترح إرجاء مناقشته إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيس شرعي ومناقشة المشروع بتريث. الحكومة تدافع ودافعت الحكومة على مشروع القانون، حيث جاء في بيان لمجلس الوزراء عقب المصادقة عليه أمس، أنه “يتضمن أحكام جديدة ستسمح خاصة بتعزيز الدور الاقتصادي والمالي والتقني لشركة سوناطراك”. و أوضح البيان أن “مراجعة النظام القانوني الحالي للمحروقات لاسيما على المستوى التعاقدي والجبائي، بات ضرورة حتمية بالنظر للتطورات الحاصلة في ميدان المحروقات سواء داخليا أو خارجيا مع تقلص في كميات الإنتاج في ظل التزايد المضطرد للاستهلاك الوطني في هذا المجال، أين سنكون في حال الاستمرار بنفس المنظومة القانونية الحالية أمام عجز هيكلي بين العرض والطلب الوطنيين ابتداء من 2025”. وفي تدخله عقب دراسة و المصادقة على مشروع قانون المحروقات، ذكّر رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح بأنه “ينبغي أن تظل السياسة الوطنية في مجال المحروقات متميزة بحرص دائم على الحفاظ على سيادة الدولة على هذه الموارد”. وأضاف بن صالح “أنه ينبغي للتحولات العميقة التي شهدها قطاع المحروقات لمسايرة الواقع الاقتصادي وظروف السّوق الدولية أن تستمر بهدف تمكينه من الاستفادة من موارد المحروقات ليتم تخصيصها لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد”. و استطرد قائلا: “في هذا الإطار، ينبغي للجزائر التي تعي جيدًا محدودية مواردها المالية وإمكانياتها التكنولوجية أن تواصل ترقية الشراكة كخيار استراتيجي في سياستها الطاقوية، كما يتجلى ذلك على الخصوص من خلال القانون رقم 86-14 المؤرخ في 27 أوت 1986 والقانون رقم 91-11 المؤرخ في 27 ابريل 1991 والقانون رقم 05-07 المؤرخ في 28 ابريل 2005”. وأوضح بن صالح ان مشروع قانون المحروقات “يندرج في هذا السياق إذ أنه يكشف عن شروط وقواعد شراكة من شأنها أن تكفل مردودية الاستثمارات المخصّصة”. كما أضاف أن “هذا النص يمكّن من الحفاظ على مصالح الدولة والمتعاملين العموميين ومن ثمة ينبغي للحكومة ولمتعاملي القطاع أن يضاعفوا جهودهم من أجل تحقيق كافة الأهداف المرجوة من هذا القانون ووضع الآليات العملية لتنفيذه بعد المصادقة عليه من طرف البرلمان”.